يكشف الإعلامي المغربي المقيم بإيطاليا زهير الواسيني جزئية لم ينتبه إليها أحد بخصوص اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء، وهي أن ترامب “أزال وبشكل نهائي ورقة التوت الأخيرة التي كانت تستر عورة موقف النظام الجزائري من قضية الصحراء”.

ويعتبر الواسيني أن الهبة الدبلوماسية والحملة الإعلامية الممنهجة، اللتين أعقبتا قرار ترامب، للدفاع عن “الشعب الصحراوي وأرضه المحتلة”، “أبانتا للمرة الألف أن نزاع الصحراء ما هو سوى حلبة أخرى يدافع عبرها النظام الجزائري عن فضائه الجيوبوليتيكي باعتباره (القوة العظمى) بالمنطقة”. 

في هذا المقال، يفند الواسيني هذا “الوهم” ويضع النقاط على الحروف في محاولة لجعل بعض الجزائريين يستوعبون حقيقة الأمر.

وهذا نص المقال: 

بالإضافة لأهمية الحدث، هناك نقطة مهمة تحسب للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب حينما اعترف بمغربية الصحراء، أغفلها البعض بالدخول في نقاش بيزنطي حول مشروعية القرار أو عدمها: ترامب أزال وبشكل نهائي ورقة التوت الأخيرة التي كانت تستر عورة موقف النظام الجزائري من قضية الصحراء.

الهبة الدبلوماسية والحملة الإعلامية الممنهجة، اللتين أعقبتا قرار ترامب، للدفاع عن “الشعب الصحراوي وأرضه المحتلة”، أبانتا للمرة الألف أن نزاع الصحراء ما هو سوى حلبة أخرى يدافع عبرها النظام الجزائري عن فضائه الجيوبوليتيكي باعتباره “القوة العظمى” بالمنطقة. فهناك إحساس مبدئي عبر عنه حتى بعض الإخوة الجزائريين في وسائل الإعلام وعلى سوشيال ميديا، بأن الجزائر قوة عالمية ضاربة تفرض على الآخرين احترامها.

بالطبع أنا لست هنا لأوقظ هؤلاء الإخوة من سباتهم العميق وأحلامهم الوردية، فلكل امرئ الحق في تلوين أحلامه باللون الذي يريد، ولكن ما أتوخاه هو فقط وضع بعض النقاط لعلها تفيد هؤلاء، وبعض إخوتنا ممن يدافعون عن استقلال الصحراء، في استيعاب ما حصل فعلا على أرض الواقع مباشرة بعد قرار ترامب عل وعسى أن يغيروا قليلا من حدة لغتهم التي تبدو في كثير من الأحيان عدوانية في حق كل المغاربة وليس في حق “نظام المخزن” فقط.

هذه النقاط سألخصها فيما هو مرتبط بالحملة الإعلامية التي شنها النظام الجزائري ومدى فاعليتها في التأكيد أن الصراع لم يكن أبدا بين ساكنة الصحراء والدولة المغربية. بالطبع هذا لا يعني عدم وجود مواطنين صحراويين ضد الوجود المغربي بالمنطقة، ولكن هذا الوضع كان سيجد له حلا ومنذ زمن بعيد لو بقي النظام الجزائري بعيدا عن حشر أنفه فيما لا يعنيه:

– أول ما يلفت الأنظار بعد العاشر من دجنبر أن القنوات الجزائرية وأخرى عربية، خاصة تلك التي تقف في صف أطروحة البوليساريو، خلت من وجوه صحراوية في مقابل العنصر الجزائري. فلم نشاهد في تاريخ البشرية هذا الكم الهائل من “الخبراء والأكاديميين” الجزائريين المختصين في قضية ما مثلما حصل ويحصل مع موضوع الصحراء.

– كل القنوات التي خصصت ساعات من برامجها لهذا الموضوع كانت ناطقة بالعربية. فالإعلام الدولي لم يول اهتماما كبيرا لما جرى. كبريات الصحف تناولت المسألة بشكل جانبي وبلغة محايدة.

– اللغة العربية والالحاح على استعمالها في تناول موضوع الصحراء إعلاميا يعني أن الجمهور المهتم لا يتجاوز المغاربة والجزائريين، وربما ساكنة المغرب الكبير، لكونه حاجزا في بناء كتلة إقليمية كفيلة بمواجهة المشاكل الحقيقية للمنطقة.

– من الناحية النظرية، فإن الجمهور الإسباني هو المهتم الآخر بهذا الموضوع، وذلك للأسباب التاريخية المعروفة وكذلك لأهميته الداخلية، خاصة في الحملات الانتخابية. هذه المرة يمكن القول إن غالبية الصحافة الإسبانية، وبالضبط تلك الوازنة منها، مرت على الموضوع مرور الكرام، بل منها من أكدت أو لمحت إلى أن هذه القضية قد حسمت وأن على إسبانيا تغيير مقاربتها للموضوع وأن تأخذ بعين الاعتبار التحولات الاستراتيجية التي تعرفها المنطقة.

– أغلب المقالات والأخبار الواردة في الصحافة الجزائرية حول قضية الصحراء تبدو وكأنها تصرف أحلام النظام الجزائري بصيغة الحاضر. فمثلا كل المعارك “التي شنتها قوات الجمهورية الصحراوية الباسلة على قوات العدو” هي تجسيد لحلم النظام الجزائري بحرب شعواء بالوكالة ضد المغرب ما دام الجيش الجزائري غير مؤهل لخوض أي حرب مباشرة وكيفما كان نوعها.

– الاعتماد على صور زائفة للحديث عن الحرب “الضروس” في منطقة الصحراء دفع بالعديد من القنوات التلفزية إلى تلافي الحديث حتى عن الاشتباكات الصغيرة التي حدثت فعلا، باعتبار أن “لي عضته الحية كيخاف من الحبل”. فمنذ تجربة “الباييس” الإسبانية وقنوات أخرى عالمية مع صور أطفال غزة ومحاولة تمريرها من طرف بروباغندا الجزائر بكونها مأخوذة من أحداث اكديم ايزيك، وكل إعلامي يحترم نفسه يتأكد ألف مرة قبل أن ينشر خبرا واردا من وسيلة رسمية جزائرية. هذا ما اتضح فعلا في تكذيب نشرته قناة “ارتي” الفرنسية الألمانية لصور بثت حول “حرب البوليساريو في الصحراء” حيث تم استعمال صور من النزاع المسلح باليمن.

– الهجوم القوي الذي تقوم به أدوات الإعلام الجزائرية أفرز ردود فعل غير منتظرة كخروج أصوات مغاربية من تونس، ليبيا وموريتانيا لسرد تاريخ النظام الجزائري في الاستيلاء على أراضي الغير أو التدخل في القضايا الداخلية للبلدان المجاورة أو الوقوف وراء انقلابات عسكرية، وهو تاريخ لا يشرف دولة قررت (بدون أن يطلب منها أي كان) أن تكون “ملجأ الشعوب المقهورة في كل مكان” ناسية، أو متناسية ربما، أن أول من يعاني من نظام العسكر هو الشعب الجزائري الذي لم يجد من يقف بجانبه في محنته.

– هناك مقالات كثيرة يزخر بها الإعلام الجزائري تنتقد قوة اللوبي الذي يدافع عن مصالح المغرب في الولايات المتحدة، ثم الروابط المتميزة للجالية اليهودية بوطنها الأم.

hespress.com