قال عبد السلام الأشهب، باحث في الفلسفة السياسية، إن “السياسة والدين والثقافة تشكل ثالوثا خطيرا، حيث لا يمكن أن نتصور مجتمعا حداثيا بدون إثارة هذه القضايا الثلاث، خاصة خلال الوقت الراهن”، مبرزا أن “تأمل الشق الأخير من علاقة السياسة بالدين يكشف عن نوع من التماهي بينهما”.
وأضاف الأشهب، خلال ندوة منظمة من طرف ماستر الإدارة والديمقراطية وحقوق الإنسان بجامعة ابن زهر، أنه “لا نجد توترا كبيرا حينما نتكلم عن علاقة الثقافي بالديني، لأن الديني أساس ثقافة كل مجتمع، لكن حدة التوتر تحضر أثناء الحديث عن علاقة السياسي بالديني”.
وأوضح الباحث المغربي أنه “من الناحية السوسيولوجية كان هناك رهان تاريخي على بلوغ المجتمعات درجة من التحديث والعقلنة؛ ومن ثمة، سينتهي وجود الدين من المجتمع، وسينتهي كخلفية وكمصدر للتأويلات، ذلك أن هذا الرهان تزامن مع صعود نظريات الحداثة والعقلانية والتنوير الراديكالي”.
وأبرز الباحث أن “هناك فرقا كبيرا بين ثلاث مدارس على مستوى التنوير إذا تحدثنا عنه بمرجعية أوروبية، حيث نجد اختلافا جذريا بين المدرسة الفرنسية التي تقصي المكون الديني ولا تأخذه بعين الاعتبار، مقابل التنوير المرن الذي تجسده المدرسة الألمانية”.
وتابع مسترسلا: “أستحضر هذه المسألة لأنه بناء عليها يمكن فهم فكرة الحداثة كسيرورة، بعدما كان الرهان يتمثل في بلوغ المجتمع العقلنة وتقليص دائرة حضور الدين، لكن التصور الفلسفي سيُصاب بخيبة أمل، لأن الذي وقع هو عودة الدين من جديد إلى الفضاء العام”، مؤكدا أن “المشكل ليس في التسليم بوجود الدين من عدمه، بل كيفية تدبير المقدس في الفضاء العمومي”.
من جهته، قال زهير البحيري، باحث جامعي متخصص في علم الاجتماع، إن “إثارة النقاش حول ثلاثية الدين والسياسة والثقافة يكتسي أهمية كبرى في سياق التحولات التي تشهدها المجتمعات، حيث لا يمكن فهمه في إطار أحادي معرفي، بقدر ما يتطلب الانخراط في مقاربة متعددة التخصصات”.
وأورد البحيري أن “مساءلة السياسية أو الثقافة أو الدين تسائل أيضا مرتكزين أساسيين، هما بناء المشروع التنويري للمجتمعات، والفكر كتشكيل وسيرورة وتركيب”، مضيفا أن “البحث في السياسة أو الدين في إطار تقاطع ثقافي يجد مبرره ومشروعيته في البحث عن المخيال الاجتماعي للأفراد”، متسائلا: “كيف يتمثل الناس الدين والسلطة؟”.
وشرح بأنه “من الأكيد أن تمثل الأفراد في إطار أفقي ولاهوتي وقدسي، وتمثل السياسة من منطق علوي وأفقي يعبر عن تمثلهم للسلطة؛ فحينما نفكر في السياسة والدين هناك نقاط تلاقٍ كبيرة تجعل من البحث في المشروع التنويري ذا أهمية كبرى، لأن الأساس اليوم هو تفكيك البنيات التقليدية، والبحث عن صيغة لبناء مشروع حداثي في إطار هوية خاصة تتلاءم مع سياقات تشكيل المجتمعات”.
من جانبه، أشار سعيد ناشيد، باحث مغربي مهتم بقضايا التجديد الديني، إلى “وجود مفهومين أساسيين في الإسلام، هما الحكمة والكتاب؛ فهذا الأخير يطرح إشكاليات تتعلق بمستقبل الإسلام والاندماج في الحضارة الغربية”، موضحا أن “الغايات الكبرى لما يمكن أن نفعله أو نفكر فيه هي السعادة والسلام”.
وأبرز ناشيد أن “غاية العيش هي السعادة التي تعد غاية الغايات، بينما غاية العيش المشترك هي السلام”، موردا أن “السياسة في هذا الصدد لها تعريف مبسط يقتصر على التدبير العقلاني للعيش المشترك بين الذوات العاقلة من أجل السلام، ما يطرح مجالين في الحياة، هما مجال تدبير العيش المشترك، ومجال تدبير العيش”.
واسترسل أنه “ضمن مجال تدبير العيش المشترك، هناك آليات اهتدت إليها الحضارة المعاصرة هي الديمقراطية بوصفها أفضل الآليات للتدبير السياسي لهذه العلاقات بين الذوات العاقلة؛ فالديمقراطية لا تكفي، بل نحتاج إلى شيء آخر هو السلطة العلمية الحاسمة في اتخاذ الكثير من القرارات، لكنها لا تكفي أيضا”.
“نحتاج إلى الحكمة في المجالين من الحياة؛ فعلى مستوى العيش المشترك حسم أفلاطون الجدل بتأكيده ضرورة أن يكون الحاكم حكيماً، لأنه لا يمكن أن تحكم الآخرين حتى تتعلم أن تحكم نفسك أولا”، بتعبير ناشيد، الذي أكد أن “سبينوزا حاول تعميم فكرة الحكمة لكي تخرج من الحاكم إلى المواطنين، فتصير بذلك شرطا لبناء الديمقراطية”.
ولفت المتحدث إلى أن “سبينوزا قسّم الانفعالات إلى نوعين: انفعالات مبهجة وأخرى حزينة؛ فقد ورثنا خطابا ينمي الانفعالات الحزينة، ما مرده إلى ثقافتنا التي تشجع الحزن على الفرح”، ثم استدرك: “ننمي الشعور بالذنب، بدءا من علاقتك بالوالدين، وهي أخطر العقد التي قد تدمر الإنسان، فالذنب هو العدو الأول لنيتشه”.