الثلاثاء 11 ماي 2021 – 01:15
عبر بحث تاريخي وأرشيفي، كشف المحقق الفرنسي ألان جوردان أن المغرب اليوم يوجد على الخط الأمامي للحرب في مواجهة الإرهاب والتطرف ومشكل الصحراء، وأبرز في الطبعة الثانية من كتابه الذي قام بترجمته إلى العربية الإعلامي والكاتب عبد العزيز كوكاس، والصادر حديثا عن منشورات النورس، أن المملكة التي نجحت في تجنيب البلد ومجتمعات أوربية عديدة المزيد من الهجمات الإرهابية، وحازت أجهزتها الأمنية سمعة عالمية وإشادة دولية، إذ أخذت تسعى حتى الدول البعيدة إلى استقطاب تعاونها باستمرار، توجد اليوم بقرب تهديدات حقيقية قادمة من البطن اللينة للصحراء، حيث يتجمع التطرف والإرهاب والتهريب وكارتيلات الجريمة المنظمة ومهربو المخدرات الصلبة وفلول البوليساريو.
الكتاب القيم للكاتب والصحافي السويسري “آلان جوردان”، الذي اجترح له عنوان “المغرب على الخط الأمامي لجبهة الحرب: الإرهاب – التطرف – الصحراء”، تناول قضية ملتهبة ومتنامية تمس ما هو محلي ودولي؛ إذ نسج عوالمه من الأحداث الإرهابية الدامية التي هزت أكثر من عاصمة في القارات الخمس، وموقع النموذج المغربي المتفرد والمساهم في طرح بدائل وممكنات الحد من تدفق المزيد من دماء الأبرياء عبر مقاربة شاملة تتجاوز البعد الأمني وتمس إعادة التأهيل الديني واعتماد قيم إسلام وسطي متسامح، وتحصين ثقافي يبدأ بالبرامج التعليمية ويمتد إلى انخراط الإعلام في معركة طويلة النفس ضد كل أشكال التطرف.
لم يكن اختيار ترجمة هذا المؤلف البحثي اعتباطا أو رغبة في النشر في حد ذاته، في نظر الكاتب والإعلامي عبد العزيز كوكاس، بل هذا المنجز يفكك ظاهرة الإرهاب باعتبارها آفة عابرة للحدود الوطنية، ويضع القارئ في سياق تناوله للأحداث والوقائع بماضي وحاضر الظاهرة الدولية للإرهاب، وكيفية التصدي لها؛ وهنا وعبر رحلته البحثية يموقع النموذج المغربي كنموذج ناجح تسعى كبريات العواصم العالمية إلى الاستفادة من خبرته وحنكته في محاصرة ظاهرة الإرهاب وسد كل المنافذ على مقترفي الدم والدمار.
الكتاب، الذي جاء في 159 صفحة من الحجم المتوسط، ينقل القارئ من خلال معلومات دقيقة تفرد بها دون غيره من مضانها إلى مكامن قوة الإستراتيجية الوقائية والأمنية للأجهزة المغربية التي فككت مئات الخلايا الإرهابية عبر عقدين من الزمن، وجنبت البلاد العديد من الهجمات على أراضيها وفي أوروبا وأمريكا، واعتبرت ومازالت استثناء في مجال مكافحة الإرهاب على الصعيد الدولي، مستحضرا في السياق ذاته المقاربة المغربية متعددة الأبعاد التي لا غنى عنها اليوم في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة خارج البعد الأمني بالشكل الذي جعل المجتمع المغربي ونخبه تنخرط في مشروع كبير لحماية انسجام أمة والحفاظ على استقراره.
كما لاحق الكاتب بالبحث كيفية اشتغال الأجهزة الأمنية المغربية وقوة مادتها الاستخباراتية، وكذا الشخصيات البارزة التي تقود النموذج المغربي، ليعرج على كل أوجه التعاون الدولي ومدى فعالية الاستخبارات المغربية فيه، والتي جنبت العديد من العواصم الغربية هجمات إرهابية كانت ستخلف الكوارث والدمار؛ وبعد ذلك يطلعنا على بروفايلات الإرهابيين ذوي الجنسية المغربية الذين فجروا وأسالوا الدماء في أكثر من مدينة عبر العالم.
وينهي الكتاب رحلته المتعقبة للأحداث والباحثة لها عن تسلسل منطقي موضوعي، كما جاء في العنوان، بقضية الصحراء، فبعد أن وضعها في سياقها التاريخي، والتحولات المحيطة بها، التي أظهرت قوة الطرح المغربي والدعم الذي يواصل كسبه دوليا، أشار عبر تعداده لأحداث ووقائع إلى ما يجري في منطقة الساحل من تهريب للأسلحة والمخدرات وانتشار للخلايا الجهادية، وتورط أفراد من جبهة البوليساريو عبر تسهيل مرور الأسلحة والكوكايين وتزويد المتطرفين بالمؤونة.
هذا الكتاب الذي ترجمه الإعلامي عبد العزيز كوكاس يشكل إغناء نوعيا للخزانة الوطنية، ثري بالمعلومات ومفيد للباحث والصحفي والمؤرخ والمواطن كذلك، ويبرز قوة توحد المغاربة في الرؤية وفي التعاطي مع الظواهر الشاذة، التي من ضمنها ظاهرة الإرهاب والتطرف؛ كما يحذر من التهديدات التي مازالت قائمة، وتجعل المغرب على الخط الأمامي لجبهة الحرب.