صدر حديثا عن المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية كتاب جديد للباحث المغربي- النمساوي الدكتور حميد لشهب، يحمل عنوان “الأبارتهايد: دراسة في الجذور التاريخية والثقافية لمفهوم الفصل العنصري”.

الدراسة محاولة في فهم مصطلح “الأبارتهايد” كمفهوم وكتجربة سوسيو ـ تاريخية في سياق علاقة الكولونياليّة الأوروبيّة والأميركيّة بالبلدان المستعمرة، ولا سيّما في أفريقيا.

كما تبيّن الخلفية الإيديولوجية للعنصرية الغربية وطريقة اشتغالها وارتباطها الوثيق بالحركات الاستعمارية؛ لتصبح أطروحة الأبارتهايد أداة سياسية لإدارة المستعمرات.

ويشير الكاتب في مقدمة كتابه إلى عنائه النفسي وهو ينقب ويغوص في هذا الموضوع: “أعترف منذ البداية بأنّ هذا أوّل بحثٍ في حياتي كلّفني عناءً نفسيًّا أكثر منه فكريًّا؛ وسبب هذا هول ما اكتشفته وأنا في بحر الاشتغال عليه: بشاعة الوجه الغربي، وفظاعة ما اقترفه ضدّ شعوب وأمم أخرى، من ظلمٍ وعدوانٍ يرقى إلى مستوى جرائم ضدّ الإنسانيّة.

وعلى الرغم من أنّني كنت أعرف هذه الأمور، إلّا أنّها كانت تدخل عندي في باب “ثقافة عامّة” بديهيّة تقريبا. لكنّني عندما توغّلت في البحث وصادفت مراجع بلغاتٍ مختلفةٍ، أُصبت بما أسميه هنا كابوسا جثم على فكري وقادني إلى متاهات بحثٍ متشعّبةٍ، كنت مضطرًّا بعدها إلى اختيار أهمّها؛ لعرضها في هذا المؤلّف”.

من أهمّ ما جاءت به هذه الدراسة إبراز العنصريّة والأبارتهايد كبنيةٍ في الفكر الغربي منذ عصر “الأنوار”، وهي بنية تتجلّى في ميادين فكريّة غربيّة مختلفة، بما فيها محاولة تأسيس العنصريّة على أسسٍ بيولوجيّةٍ.

كما تقدّم الدراسة عيّنة من الفلاسفة الغربيين ممّن دافعوا علنا عن العنصريّة والاستعمار في عزّ عصر ظهور شعارات مثل “الحرية” والاستقلال و”حق تقرير المصير” و”الكرامة الإنسانية” و”حقوق الإنسان” إلخ. وختمت الدراسة بإظهار آثار العنصريّة والأبارتهايد المصاحب لها في عيّنة من الثقافة الشعبيّة الغربيّة.

ولم يفت الكاتب توجيه رسالة ووصية إلى الباحثين في العالم العربي والإسلامي، وخصوصا منهم الشباب، بحثّهم على إعادة النظر فيما ورثوه من الفكر الغربي جملة وتفصيلا، وأخذ موقف ثقافيّ وحضاريّ منه، وتنوير الرأي العام بالمخاطر التي يشكّلها الفكر الغربي الإمبريالي.

ويوضّح لشهب أنه لا يدعو إلى مقاطعة الفكر الغربي، بل على العكس من هذا، يطالب بالتعامل معه ودراسته بعمق، وعدم الانبهار به؛ لأنّ الغربيّ يقدّمه لنا وكأنّه الفكر الصالح الوحيد. المطلوب هو تجاوز موقفين منه: الموقف المنبهر والمدافع عنه بعمًى لا يُفهم، والموقف الرافض له فقط لأنّه غربيّ.

وختاما يؤكد الكاتب أن “الورش الحقيقي الذي ينتظر الباحث والباحثة العربيين هو الدراسة المعمّقة للفكر الغربي قصد تجاوزه، عوض البقاء في منبر التهليل والدعاية له أو الاصطفاف في خندق نقده وتوظيف طاقات فكريّة وبشريّة وزمانيّة لهذا الغرض، وهو في عمومه لا يستحقّ كلّ هذا الاهتمام.

نظر المفكّر الغربيّ ودافع على أطروحات بعينها في ميدان الفكر، ولا تنقصنا لا الكفاءات البشريّة ولا الفكريّة للابتكار في هذا الميدان، لربّما بتفوّق أكبر، إن نجحنا في تقوية إرادة مقاومتنا للسجون الفكريّة الداخليّة حيث أودعنا الغرب، ولم نعد نرى العالم إلا بنظاراتٍ غربيّةٍ. فالتعمّق في دراسة موضوع الأبارتهايد مثلا قادنا إلى وضع الإصبع على المشكل الحقيقي للغرب: لا يرى باقي الشعوب إلا كخدم له، وهو مستعدّ لمعايدة الإبادات الجماعيّة، كما في الماضي، حيثما ظهر له ذلك ضروريًّا – أي إبادة كلّ الشعوب التي تعارض رغباته وقراراته”.

hespress.com