لا “حموضة” بعد اليوم..هذا الشهر الكريم سيمر بدون “حموضة”..هذا ما استشفه العديد من المغاربة بعد مرور أول يومين فقط من رمضان.

لا أتحدث عن حموضة المعدة، فتلك حرقة لعينة لديها حل في جميع الأحوال، وهو أن “تخفف” من وتيرة الأكل، وتبلع “الحريرة” و”الشباكية” و”السفوف” بكثير من التروي والتؤدة.

المقصود في هذا “المقلوب” هو حموضة البرامج التلفزية في شهر رمضان، خاصة المسلسلات والكاميرات الخفية و”السيتكومات”، وسيل جارف من الإعلانات الإشهارية.

هذه المواد التلفزية الرمضانية كانت في سنوات خلت سببا في إصابة المشاهد المغربي بكثير من “الحموضة” التي تعتصر عينه وعقله، كما تعتصر حموضة الأكل معدته.

في رمضان الحالي يمكن الإعلان (بكل ثقة وأريحية) لأول مرة ومنذ أعوام كثيرة مترادفة: “وداعا .. وباي باي حموضة البرامج الرمضانية في التلفزيون…”.

في هذا الشهر الكريم جاءت الإنتاجات الرمضانية في “وقت مناسب”، إذ لم يكن للحجر الليلي المفروض على ملايين المغاربة كبير أثر نفسي، بعدما وجدوا “السلوى” في تلك البرامج التي تفيض بالجمالية والمتعة والإفادة، وأذهبت عنهم تبعات الإغلاق الليلي.

وحتى إلغاء صلاة التراويح لم يغضب الكثير من المغاربة، بما أن القنوات المغربية ارتدت “جلبابا دينيا”، وتفهمت هذا المستجد، وصارت تبث برامج ومسابقات دينية بوفرة ملحوظة مقارنة مع السنوات الخالية، لاستدراك ما ضاع من شعيرة أداء التراويح كل ليلة.

وليس هذا فحسب، بل إن تلك الوجوه الفنية (ممثلون وممثلات) التي اشتكى المشاهد المغربي من تكرارها في كل رمضان اختفت بشكل أو بآخر في رمضان الجاري، إذ ظهرت وجوه فنية جديدة ذات كفاءات وطاقات إبداعية مبهرة، بعيدا عن مبدأ “الشللية والزبونية وتبادل المصالح”.

وما كان يسبب حموضة للمغاربة عند مائدة الإفطار بمشاهدة “كوميديا” تعتمد على “تعويج الفم”، وتقليد كلام “العروبي والشلح”، لم يعد لها مكان في مسلسلات و”سيتكومات” هذا العام، إذ يبدو أن الرهان صار منكبا أكثر على الجودة دون تقليد أو “تنقيص مبني على الأصل والجغرافيا”.

وداعا إذن لكل من الشقيقتين “السذاجة والابتذال” في الإنتاجات التلفزية الرمضانية، فلأول مرة اجتمعت في هذه المسلسلات و”السيتكومات” المغربية “كوميديا الموقف” التي تخدم السياق الدرامي في العمل.

ويحق للمغاربة أن يفخروا بما يُعْرض عليهم في رمضان هذا العام من إنتاجات محلية بوفرة لافتة، حتى إن ذلك دفعهم إلى الاستغناء تماما عن “التيليكوموند” (ريموت كونترول)، للبحث عن الفرجة في قنوات عربية وأجنبية كما حصل في سنوات سابقة.

وحتى تلك السرعة التي كانت تسم اشتغال وإنتاج المسلسلات والسيتكومات الرمضانية لم تعد كما كانت، إذ بدا أن هناك خطة مدروسة بعناية، وتركيزا أكثر على الجودة.. القائمون على هذه الإنتاجات فهموا أن القلوب بلغت الحناجر بسبب الإفراط في الحموضة، لهذا ارتأوا أن يخففوا عن البلاد والعباد بهذه “الهدايا الرمضانية” لجميع المغاربة.

خلاصة القول .. يبدو أن هذا المقال هو “الحامض” بالفعل..ولكن حسبي أن أنهيه بهذين البيتين الشعريين:

عَجوز ترجو أن تكون فَتيَّةً … وقد نحل الجنبان واحدودب الظهر

تدس إلى العَطّار تبغي شبابها … وهل يُصلِح العطار ما أفسد الدهرُ؟.

hespress.com