في كل شهر رمضان تطل علينا كلمة “الترمضينة” لتشنف أسماعنا، ويبرر بها بعضنا سلوكيات عنيفة في شوارعنا وحافلاتنا وأزقتنا وأحيائنا وفضاءاتنا العمومية.

ولا يعلم كثيرون أن مصطلح “الترمضينة” الذي نسجه اللسان والواقع المغربي ليس بعيدا كثيرا عن معاني اللغة العربية.

وإذا لم يكن هناك فعل “ترمضن” بالتحديد في لغة الضاد، لكن المعجم يشير إلى فعل رَمِض. ونقول رمِض الشخص أي إنه مشى على الرَّمضاء، وهي الحجارة المُحمَّاة. ونقول رمِض النَّهارُ، بمعنى اشتد حره، ورمض الصائم يعني أن جوفه حَر من شدة العطش.

المغاربة “حرفوا” معنى اللغة العربية بشأن رمض الصائم، فليس جوف “المترمضن” فيهم من يحر من فرط العطش، بل إن أوداجه تنتفخ، وعيناه تتجولان في جحريهما كفأر هارب من قط جانح، ولسانه يقطر شرا، لينعكس كل ذلك على حالته النفسية، فيصير قنبلة موقوتة ما إن يلمسها أحدهم تنفجر في وجهه.

حالة “الترمضينة” التي يتحدث عنها الجميع في المغرب منذ بداية الشهر الفضيل لم تعد كما كانت هذا العام، فقد انتهت واختفت في شوارع وأسواق البلاد إلى غير رجعة.

مراسلو “بالمقلوب” انتشروا في العديد من المدن والقرى ليرصدوا لنا حالات الترمضينة التي قد يصادفونها في شهر رمضان الجاري..للأسف، لم يسجلوا أي حالة من ترمضينة المغاربة..”رمضان بدون ترمضينة”.. لأول مرة يحصل هذا في المغرب.

خلاصة تقارير مراسلي “بالمقلوب” أن المغاربة اعترتهم حالة من الطمأنينة النفسية، ظهرت على وجوههم النيرة، وعلى خطاباتهم وتصرفاتهم في الطرقات والحافلات.

يقول باحثون سوسيولوجيون إن هذه الحالة الروحانية الراقية التي بات عليها العديد من المواطنين مردها إلى دافعين أساسيين، الأول شهر رمضان الذي رغم افتقاده هذا العام روحانيات صلاة التراويح إلا أنه ألهم الناس التحكم في أعصابهم والتريث والتؤدة، ما أكسبهم مناعة ذاتية ضد “الترمضينة”.

والدافع الثاني، وفق باحثين، هو “الحجر الليلي” الذي ساهم بشكل كبير في كبح جماح الأعصاب الهادرة والكلام الفاحش والتصرفات الغاضبة.

المغاربة في نهار رمضان يتعاركون مع “طرف د الخبز”، وفي ليلهم “يتكمشون” وراء التلفاز لمتابعة “بنات العساس”، أو لمعرفة جديد “سلمات أبو البنات”.

ومنهم من يلتحق بـ”وظيفته الليلية” في الإبحار في الشبكة العنكبوتية أو الهاتف، أو من يتطلع إلى رب السماء مصليا داعيا وذاكرا، فلا يكاد يصدر منهم شيء من “الترمضينة” المنبوذة.

ويترقب الكثيرون صلاح أحوال المغاربة شيئا فشيئا، فهاهم قد التزموا بالنظام، كما جاء في أول حلقة من “بالمقلوب”، والحفر تبلطت، والأسعار انخفضت، والآن الترمضينة انتهت.

وهكذا أعزائي .. الرجل الذي أجهز على زوجته في أيت ملول خلال الشهر الجاري لم يكن “مترمضنا”.

أما الفلاح الذي قتل شقيقته نواحي الصويرة بسبب خلاف حول الإرث فلم يكن أيضا “مترمضنا”.

والشقيقان بمدينة زايو، اللذان تورطا في قضية تتعلق بالعنف ضد الأصول، لم يكونا “مترمضنين”…وهلم جرا..

كل شيء بالمقلوب ..”الله يحضر السلامة وصافي”..

hespress.com