تتوالى الأخبار المفاجئة في هذا الشهر الكريم، التي تتناولها صفحة “بالمقلوب” حصريا، باعتراف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لأول مرة بمغربية الصحراء، وهو ما شكل صدمة كبرى في المشهد السياسي الجزائري والدولي.
وفي خطاب متلفز، لم يتم إعلانه من قبل، فاجأ تبون الذي يعيش أسوأ أيامه على رأس الدولة في الجزائر الجميع بالاستفاضة في تاريخ الصحراء، معترفا مرة بالتمليح ومرة بالتصريح بأن جذور الصحراء مغربية.
وبلغة المؤرخ، الذي استفاق أخيرا من “غفلة السياسة”، توقف تبون طويلا عند الرأي الاستشاري الذي أصدرته محكمة لاهاي في أكتوبر من سنة 1975، عندما اعتبرت الصحراء منطقة لها مالكون قبل الاستعمار الإسباني، وأن هناك علاقات قبل ذلك بين القبائل الصحراوية والسلاطين الذين تعاقبوا على دولة المغرب.
ورغم كون خطاب الرئيس الجزائري جاء أساسا من أجل كشف ما أسماها إصلاحات سياسية واجتماعية ستقبل عليها الحكومة من أجل التجاوب مع الحراك الجزائري، إلا أنه عرج على قضية الصحراء والمسارات التي قطعتها إلى اليوم.
وشكلت تصريحات الرئيس الجزائري صدمة غير متوقعة لدى الطبقة السياسية، خصوصا في البلاد، بينما لم تفاجئ الشعب لأن أغلب أفراده يعلمون بأحقية المغرب في السيادة على صحرائه. لكن للجنرالات رأي آخر.
وفور حديث تبون سرت في الكواليس السياسية خشية تكرار سيناريو الرئيس الجزائري المغتال محمد بوضياف، الذي أنهت الأجهزة العسكرية الحاكمة في الجارة الشرقية حياته بسبب ميوله إلى المصالحة مع المغرب في ملف الصحراء، وتصريحاته أكثر من مرة بشأن تصحيح مسار النزاع من خلال اتخاذ قرارات كان يصفها بالجريئة.
التصريحات الجديدة لتبون قابلتها سريعا مواقف مختلفة، يمكن إجمالها في فريقين؛ الأول يرى أن ما صدر عنه انتحار سياسي له، وأنه بذلك ينهي حياته السياسية بيديه، لأن الجنرالات لن يغفروا له هذا الكلام، وقد يلحقون جثته بجثة الراحل بوضياف.
والفريق الثاني يرى أن الأمر يتعلق بـ”حق أريد به باطل”؛ ذلك أن تبون يسعى من خلال إثارة موضوع مغربية الصحراء إلى تشتيت الانتباه بشأن الاحتجاجات الحاشدة ضد النظام الحاكم، وتوجيه أنظار الرأي العام إلى مشكلة وموضوع فرعي بعيدا عن الحراك ومطالبه الملحة والمشروعة.
وبعد تصريحات تبون خيم الصمت على “ميليشيات البوليساريو” التي بلعت لسانها بلعا، بعدما كانت تشحذه في السابق كلما تعلق الأمر بملف الصحراء.
ويبدو أن الانفصاليين سينتظرون طويلا لمعرفة خبايا وحقيقة “خرجة تبون” هذه، لكنهم في جميع الأحوال صاروا “أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام”.