المشهد الأول

مسؤول كبير في إدارة عمومية يدخل إلى مكتبه صباحا قبل جميع الموظفين. هكذا هي عادته منذ تعيينه في هذا المنصب المهم. يُحَيّي بابتسامة عريضة عاملات التنظيف، ويتبادل معهن حديثا وديا قبل أن يمد لهن بعض النقود من أجل اقتناء فطورهن الصباحي.

قبل أن يجلس على كرسيه المتواضع تناول الرجل حزمة من الجرائد الوطنية والدولية فوق مكتبه ليطلع على آخر الأخبار التي تهم القطاع الذي يتولى مسؤوليته، ثم تنحى جانبا ليكمل إطلالته الصباحية على مواقع الإنترنت، وعيناه على الساعة الحائطية للشروع في العمل في الوقت الإداري المحدد دون إضاعة للأمانة الملقاة على عاتقه.

يحرص هذا المسؤول الكبير على الاجتماع بموظفيه كل صباح دون تكلف أو “بروتوكولات”، يحفز هذا الموظف، ويثني على ذاك المستخدم، ويوبخ موظفين، وأمنيته أن ينهي فترة مسؤوليته على أكمل وجه، قبل أن يتقاعد بعيدا عن الأضواء وصخب الحياة.

المشهد الثاني

في أول يوم لعمله كرجل سلطة في إحدى المقاطعات الإدارية بمدينة كبيرة، وضع لوحة على الجدار خلف مكتبه تتضمن شعار “لا مكان للقهوة هنا”.

في البداية اعتقد أعوان السلطة، من مقدمين وشيوخ، وكذا المواطنين أن الرجل يكره شرب القهوة داخل مكتبه، ويفضلها “نص نص” في مقهاه المفضل وسط المدينة.

لكن ما لم يكن يخطر على بال أحد داخل تلك المقاطعة أن القائد يرفض التعامل بالرشوة التي بات يطلق عليها المغاربة “قهيوة”.

صُدم الجميع وذهلوا، خاصة الذين ألفوا “الأكل والشرب” على مائدة “القهوة”. لم يستسيغوا هذا الحرمان من متعة “القهيوة”، التي تعينهم على نوائب الحياة، وتشيد لهم المنازل، وتشتري لهم السيارات والضيعات.

حاول تحالف “الأشرار” والمستفيدون من “الريع” أن يزيحوا القائد من منصبه، لكن القانون كان في صفه، حيث ظل في مكانه، فيما حوكم جميع “الرشايوية” في تلك الإدارة وفي البلاد كلها.

المشهد الثالث

في مشهد غير مسبوق اتخذ كل وزير من وزراء الحكومة دراجة هوائية له يركبها من بيته إلى مقر عمله في البناية الحكومية. أما الذين يقطنون بعيدا عن مكاتبهم فباتوا يمتطون “الطرام”.

هذا المشهد ليس في السويد أو هولندا، بل صار موجودا في المملكة المغربية. الوزير المغربي الذي يركب دراجته صوب عمله يضرب أكثر من عصفور بحجرة واحدة.

العصفور الأول أن الوزير يقتصد في ميزانية الدولة المثقوبة أصلا، إذ لا داعي للسيارات الفارهة المخصصة لتنقل المسؤولين، والتي تلتهم أموال الدولة التهاما.

والعصفور الثاني أن الوزير بهذا السلوك يقترب من قلوب الناس، خاصة البسطاء منهم، فهو منهم وإليهم، لا يتكبر على غيره من مواطنيه بالسيارة الفاخرة، ولا بمنصبه وسلطته، فالجميع سواسية في البلاد.

والثالث أن الوزير يساهم في الحفاظ على البيئة ومحاربة التلوث في البلاد، فالدراجة الهوائية صديقة للبيئة أكثر من السيارة الفاخرة، وهو بذلك يصبح “وزيرا بيئيا” بامتياز.

hespress.com