بعد المشاهد “الواقعية” التي نشرتها صفحة “بالمقلوب” بشأن المسؤول الكبير “الأمين” في عمله، والقائد الذي يرفض أخذ “القهيوة”، والوزراء الذين يمتطون دراجات نارية للوصول إلى مقرات عملهم، انهالت على الصفحة تعليقات تنتقد التركيز على المسؤولين في سلوكهم وتعاملهم دون المواطن الذي يعد عنصرا محوريا في كل توعية أو إصلاح اجتماعي.

ونزولا عند رغبة القارئ الكريم، “نزل” مراسلو صفحة “بالمقلوب” للاطلاع على سلوك عدد من المواطنين المغاربة في الإدارة والشارع والحافلة والفضاءات العامة، فتشكلت هذه المشاهد الأربعة:

المشهد الأول في الطوابير

صف طويل من الناس ينتظرون دورهم أمام الصيدلية، متباعدين فيما بينهم للاحترازات الصحية المعمول بها.

يأتي مواطن يدعى “عْوِيْق” خلف آخر شخص في الطابور الطويل، يتنهد ويشتكي من طول الصف، ويحاول تجاوز الترتيب ليصل الأول إلى الصيدلية.

عندما نهره بعضهم، رد على الجميع بأنه مريض ولا يستطيع الانتظار كثيرا في الصف.

جاء الرفض من المنتظرين، لأن الجميع سواسية في هذا الانتظار والمرض أيضا.

حينها صمت “عويق”. لم يزبد ولم يرغ، ولم ينعت المغاربة بالأنانيين و”المكروهين”. التزم بالطابور بكل احترام إلى أن حان دوره.

المشهد الثاني في الحافلة

تقف الحافلة في محطتها الأولى في الصباح الباكر. موظفون وعاطلون ونساء وأطفال يتسارعون لولوج الحافلة قبل أن تمتلئ عن آخرها. يأخذ مواطن يدعى “مُحتَرَم” وقته لصعود الحافلة بعيدا عن الزحام. يعطي الأولوية للنساء والفتيات، وأيضا للمسنين. وجد أن الحافلة امتلأت بالركاب، فحاول الوقوف وسطها مبتسما في وجه الآخرين. تحتك به الأجساد من الأمام والخلف، ويحاول قدر الإمكان النأي بنفسه عن أي حركة قد يُساء فهمها. يحافظ “محترم” على رباطة جأشه واتزانه داخل الحافلة أمام مشاهد التحرش الجنسي والكلام الساقط الذي يصدر من أفواه بعض المراهقين. يهم المواطن بنصح هؤلاء المشاغبين، لكنه يتراجع حتى لا تنقلب الأمور إلى ما لا تحمد عقباه وقد قرر أن يتحدث إليهم على انفراد عند نزوله من الحافلة.

المشهد الثالث في السوق

دلف المواطن “شهم” إلى السوق الشعبي الذي يضج بالمتسوقين والباعة، يحاول اقتناء بعض الاحتياجات اللازمة لبيته. يقف عند بائعة الطماطم المسنة، يسألها عن الثمن قبل أن يساعدها في حمل بعض الصناديق الفارغة داخل الحانوت. يزن الطماطم بنفسه لمساعدة السيدة المسنة، قبل أن يمنحها ثمن ما اشتراه وزيادة إكراما لسنها.

فجأة سمع صوت صراخ وعويل. لص مراهق يخطف بسرعة البرق هاتف سيدة داخل السوق ويطلق ساقيه للريح محاولا تجاوز الازدحام. لا أحد تدخل ولا لاحق اللص. وفي الوقت الذي اكتفى فيه الآخرون بالتفرج، بادر “شهم” للجري خلف اللص بكل ما أوتي من قوة. بعد ربع ساعة، عاد حاملا معه الهاتف إلى السيدة التي كاد عقلها يطيش بسبب ما تعرضت له.

المشهد الرابع في السياقة

يقف المواطن “مهذب” بسيارته عند الإشارة الضوئية (سطوب). يمر شخص من ذوي الإعاقة أمامه محاولا عبور الطريق مستندا إلى ذراع والدته. يقرر “مهذب” أن يخرج من سيارته ليساعد الشاب “المعاق” على عبور ممر الراجلين. النتيجة كانت وابلا من أصوات “الكلاكسون” المدوية. اعتذر للجميع بأدب رافعا يده ولسان حال يقول: “الأسبقية لهذه الحالة الخاصة، أما نحن فننعم بأرجلنا وسلامة أجسادنا”.

وفي منعطف آخر، حاول “مهذب” أن يقف لحمل رجل مسن معه إلى وجهته عندما لاحظ عليه علامات المشقة والتعب. خلفه، هاجمته سيدة داخل سيارتها الفاخرة بالسب والشتم: “وافين تعلمتي السياقة ياهاد الحمار؟”، لم ينبس “مهذب” بكلمة واحدة. توقف وخرج إلى الرجل مستطلعا حاله قبل أن يطلب منه مرافقته إلى وجهته.

hespress.com