بينما يسود انطباع بأن المثقف المغربي غائب أو “مغيّب” عن الخوض في التحولات التي يشهدها المجتمع، ولم يعد يقوم بالدور المنوط به، أظهر بحث أن المثقف ما زال حاضرا في الساحة، وأن وسائل التواصل الحديثة مكّنت بعض المثقفين من التأثير في شرائح من المجتمع، خاصة الشباب.

البحث الذي أعده الباحث مصطفى العوزي حول “موقف المثقفين المغاربة من التحولات والقضايا التي عرفها المغرب من حكومة التناوب التوافقي إلى غاية الإصلاح الدستوري لعام 2011 وآليات التعبير عنه”، شمل 120 مثقفا مغربيا من المركز، ومثقفين محليين من مدينة تطوان والنواحي.

ومن بين الخلاصات التي انتهى إليها البحث الذي قدمه العوزي أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، أن اهتمام المثقف المغربي انصب على قضايا ذات الصلة بالانتقال الديمقراطي، كحقوق الإنسان، والعدالة الانتقالية، والحريات الفردية، والوضع السياسي، وتحولات منظومة القيم.

وفي المقابل، لم يعبّر المثقفون المستطلعة آراؤهم بشكل لافت عن اهتمامهم بقضايا ذات طابع اجتماعي صرف، أو قضايا ذات طابع اقتصادي. وأرجع الباحث سبب ذلك إلى كون المثقف يرى أن الانتقال الديمقراطي وما يرتبط به من مناخ سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي سليم، كفيل بالنهوض بمختلف القطاعات الأخرى.

وسجّل الباحث وجود تباين في موقف مثقف المركز والمثقف المحلي من الإصلاحات الدستورية لسنة 2011، حيث لم يعبر مثقف المركز عن موقف كبير إزاء هذه الإصلاحات، “لضعف الأمل الذي علقه عليها”، بينما تفاعل معها المثقف المحلي بشكل أكبر، غير أن هذا التفاعل، بحسب المصدر نفسه، “لا يؤشر على أمل علقه عليها، بقدر ما يشير إلى حجم النقد الذي وجهه إلى هذه الإصلاحات”.

وبخلاف الآراء التي تقول إن المثقف المغربي في الوقت الراهن غائب عن الساحة، استنتج مصطفى العوزي في بحثه أن تعبير المثقفين المغاربة عن مواقفهم من القضايا والتحولات التي تثير اهتمامهم، وإن بدرجات متفاوتة، “هو مؤشر على مدى حضور المثقف ومواكبته لقضايا وتحولات المجتمع، ما يفند مقولات غياب أو موت المثقف”.

وبخصوص آليات تعبير المغاربة عن مواقفهم من قضايا وتحولات المجتمع، فإنها تتوزع بين طرق التعبير الكلاسيكية، مثل المشاركة في المسيرات الاحتجاجية والوقفات، والتوقيع على العرائض، والكتابة، وبين الطرق الحديثة، كالتدوين الإلكتروني، مع تزايد الميل نحو آليات التعبير العصرية.

ويبدو أن الطفرة التي عرفتها وسائل التواصل الحديثة قد سحبت المثقف المغربي إلى الاعتماد عليها بشكل أكبر، حيث سجّل الباحث ما سمّاه “تحوّلا كيفيا في آليات التعبير والمشاركة، وذلك بالانتقال من الاعتماد على العرائض والبيانات والمشاركة في المسيرات والوقفات، إلى الاعتماد على إحدى آليات التواصل الحديثة، متمثلة في مواقع التواصل الاجتماعي”.

وبحسب المصدر نفسه، فإن مواقع التواصل الاجتماعي تتيح للمثقف إمكانيات واسعة ومرنة للتعبير والمناقشة بعيدا عن وسائط الرقابة التقليدية التي يمكن أن تخضع لها كتاباته في حالة النشر الورقي بالجرائد والمجلات مثلا، كما أن مواقع التواصل تسهّل عملية نقل المعلومات والأفكار والنقاشات بين الأفراد في مناطق مختلفة ونشرها على نطاق واسع.

وخلص الباحث إلى أن الاستعانة بمواقع التواصل الاجتماعي جعلت بعض المواقف التي عبر عنها مثقفون مغاربة على شكل تدوينات، تلاقي انتشارا كبيرا بين أوساط اجتماعية مختلفة، كما أن مواقع التواصل ساعدت بعض المثقفين على التأثير في شرائح واسعة من الشباب.

hespress.com