الأحد 30 ماي 2021 – 20:23
لحسن الحظ أن جنوح سفينة الممثل هاشم البسطاوي توقف عند حدود “التبرؤ” من أعماله الفنية على قلتها، ولحسن الحظ أنه توقف عند حدود دعوة جمهوره إلى حذف صوره من مواقع التواصل الاجتماعي؛ لكن ذلك لا يمنع من القول إن “حركة” مثل هاته أساءت إلى التاريخ الفني لعائلة البسطاوي، والذين يعرفون السي محمد، ولولاه لما عرفنا هاشم، يعرفون أنه كان مؤمنا برسالته الفنية، ولا يمكن أن يتخلى عنها بسهولة.
من حق الممثل هاشم أن يسلك الطريق التي يريدها، لكن أن يقول: “أنا بريء أمام الله من كل الأعمال التي اشتغلت فيها وأسأل الله أن يغفر لنا جميعا…” فهذا يعني أنه لم يكن يحمل من صفة الفنان سوى الاسم، بل إن الأمر يؤكد أن خطرا كبيرا يهدد شباب اليوم، أمام “هشاشة المعتقدات”.
وبالقياس على هذا التصرف يمكن أن نستيقظ صباحا على وقع استقالة طبيب بمبرر أنه يستعمل أدوات جراحية قادمة من بلاد الكفار، بل يمكن أن نتصور شبابا يغادرون الجامعة بدعوى الاختلاط، ويمكن للمرأة أن ترفض العمل في مكان يعج بالرجال، بل يمكن أن يصل الأمر إلى حد التشكيك في النوايا.
شاب مثل البسطاوي نموذج لشاب مغربي فصل الدين على مقاسات خاطئة، وسطحية؛ والسبب أنه ترك وحيدا في مواجهة أسئلة داخلية، وربما انطلت عليه الحيلة عندما وجد الأجوبة جاهزة عند من يتحدثون باسم الدين دون علم. من هنا يتحتم على الدولة أن تهتم بالمحتويات الدينية المطروحة للعموم، لاسيما عن طريق الأنترنيت؛ إذا لا يعقل أن نشترط على المشتغلين في كافة القطاعات شروطا علمية محددة ودقيقة، ونرفع هذه الشروط عندما يتعلق الأمر بالمسائل الدينية، وكأن الدين في متناول الجميع. كما لا يستساغ ترك الأمور على عواهنها دون الأخذ بيد الشباب، في زمن انهيار القيم.
إن البسطاوي الصغير، وهو يكبل نفسه على مواقع التواصل الاجتماعي، بأفكار متجاوزة، لم يكن يدق في الحقيقة سوى ناقوس خطر لما قد يأتي في القادم من الأيام إذا لم يكن هناك نموذج تنموي في ما يتعلق بالتربية الدينية، فكل شيء قابل للهدم. كما أن تعرض الشباب لما تعرض له هاشم وارد في أي لحظة، لأن العودة إلى الوراء أسهل بكثير من التقدم للأمام، والنزول من قطار الحداثة أسهل بكثير من اللحاق به.
إن مناقشة “ظاهرة البسطاوي” لا تعني بأي حال من الأحوال التدخل في حياته الشخصية، لكن بحكم مهنته لا بد أن يكون هناك نقاش، لتحصين المستقبل، وتمكين الشباب من وسائل فهم الدين على النحو الصحيح، دون السقوط في بحر “التسطيح”، الذي يهدد المجتمع بردة خطيرة إلى الوراء، وإعادة تفصيل المعتقدات بطريقة “بسيطة”؛ إذ لا يمكن تصور نموذج ديني دون الأخذ بعين الاعتبار تطورات العصر الجديد.. ورحم الله النجم محمد البسطاوي، فلو بقي حيا لما احتجنا إلى هذا النقاش أصلا.