يخلد العالم في الواحد والعشرين من مارس اليوم العالمي للشعر. ويأتي تخليد هذه الذكرى وسط انطباع بانحسار اهتمام المتلقي المغربي بالشعر، إن على مستوى حضور الأماسي الشعرية، قبل التعليق القسري للأنشطة الثقافية الذي فرضته جائحة كورونا، أو على مستوى الإقبال على اقتناء ما يصدر من أعمال شعرية.
فبأي حال يعود اليوم العالمي للشعر؟ وهل الانطباع السائد لدى البعض بكون الإقبال على الشعر في تراجع صحيح أم هو مجرد انطباع مجانب للصواب؟ وكيف هو واقع الشعر في المغرب عموما؟ أسئلة يجيب عنها في هذا الحوار الشاعر المغربي محمد بلمو.
كشاعر، كيف ترون واقع الشعر في المغرب اليوم؟.
أعتقد أن الشعر في المغرب اليوم يعرف وفرة في الإنتاج والإصدارات وتعددا في الحساسيات والأجيال والأصوات واللغات، مع نزوع واضح نحو التجريب والمغامرة.
هناك حضور لمختلف أشكال وطرائق وتصورات الكتابة الشعرية، من القصيدة التقليدية الموزونة إلى قصيدة النثر، مرورا بقصيدة التفعيلة، وتجربة الزجل مقابل شعر الملحون.
ومن الملاحظ كذلك استمرار كل الأجيال في كتابة الشعر، من جيل الستينيات والسبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، إضافة إلى الحساسيات الجديدة التي ظهرت خلال العقدين الأخيرين. وتحضرني هنا مبادرة مؤسسة مقاربات في نشر ثلاثين مجموعة شعرية لأسماء مغربية وعربية مختلفة يوميا، في تجربة رائدة انطلقت يوم 17 فبراير واستمرت إلى اليوم (21 مارس) الذي يصادف الاحتفال باليوم العالمي للشعر.
لكن اكتساح التكنولوجيات الجديدة وضعف المواكبة النقدية رغم المجهودات الفردية التي يقوم بها عدد محدود من الباحثين والنقاد، كل ذلك وغيره، ساهم في عدم إبراز هذا الإنتاج الشعري بالشكل الكافي.
ثمّة من يقول إن الشعر لم يعد يحظى باهتمام كبير من طرف المتلقي المغربي. هل تتفقون مع هذا الطرح؟.
من الواضح أن الشعر أصبح يعني الأقلية من الناس، بسبب انحسار القراءة واكتساح ثقافة الاستهلاك السمعي البصري والإلكتروني، وتلافي الموسيقيين والملحنين والمغنين التعامل مع النصوص الشعرية الحداثية المنشورة بالعربية كما بالأمازيغية والدارجة، خصوصا أن الأغنية بإمكانها أن تتيح للشعر مجالات واسعة للتلقي؛ ولا ننسى طبعا نزوع العديد من الشعراء نحو العزلة وعدم بذل مجهود في التعريف بإبداعاتهم وتشبث آخرين بنوع من اللغة النخبوية التي لا يفهمها ولا يتفاعل معها إلا القلة القليلة من الناس.
يلاحَظ تناقص اهتمام الشعراء بالقضايا الكبرى للأمة، فما سبب هذا التراجع برأيك؟ هل لأن هذه القضايا لم تعد تستهويهم أم إنهم يتفادونها تجنبا للاحتكاك مع السلطة؟.
هناك في اعتقادي أسباب كثيرة قد تكون وراء هذا التناقص في اهتمام الشعراء بقضايا الأمة؛ مع العلم أن عددا منهم يتناولونها، ولكن بغير تلك اللغة المباشرة والحماسية التي يكتسحها القاموس السياسي والإيديولوجي الذي استنفد تماما خلال عقود الستينيات والسبعينيات بالخصوص.
هناك نزوع الكثير من التجارب نحو الفردانية والذاتية كرد فعل على الانتكاسات التاريخية التي تعرضت لها مختلف تلك القضايا؛ فردانية موغلة في الاستخفاف بالحركات السياسية والاجتماعية وعدم الرغبة في السقوط في أتونها، بسبب تدهور الثقة في السياسيين وفي السياسة نفسها؛ وربما هذا ما يتجلى في الحديث الطاغي عن غربة وعزلة الشعر والشاعر.