انتقد الفقيه مصطفى بنحمزة، رئيس المجلس العلمي المحلي لوجدة عضو المجلس العلمي الأعلى، بشدّة، الذين يعتبرون دول غير المسلمين دار حرب والأموال المسروقة من أهلها غنيمة، وقال إن هذا الكلام لم يقل به فقيه واحد.
وذهب بنحمزة إلى القول، في لقاء عبر التناظر الرقمي نظمه منتدى مغاربة بريطانيا، إن إباحة سرقة أموال مواطني البلدان غير الإسلامية بداعي أنها غنيمة حرب، “هو تأصيل للسرقة”، مضيفا أن “الذين يقولون هذا الكلام يريدون أن يؤصّلوا للسرقة، وهذا خطير جدا”.
واستطرد الفقيه المغربي بأن دار الحرب لا تُسمى كذلك إلا عندما تكون الحرب قائمة بينها وبين المسلمين، وأن هذا لا ينطبق على الواقع العالمي الحالي، حيث يدخل الناس إلى بلدان غير بلدانهم بالتأشيرة وجواز السفر “وليس غُزاة أو فاتحين”.
وأضاف: “نحن اليوم نعيش في عالم قائم على تشابك العلاقات والمصالح، والمسلم حين يدخل إلى بريطانيا، مثلا، فإنه يأتي طلبا للأمن والعيش، ولا يدخلها غازيا أو فاتحا”، مبرزا أن الذين يعتبرون دول غير المسلمين دار حرب “هم الأكثر التصاقا بأرضها وبقاء فيها وتملُّكا فيها”.
وتساءل بنحمزة: “بالله عليكم مَن هي هذه الشعوب التي تقول بأن السرقة حلال؟ كم توجد من الجنسيات ومن الديانات الأخرى في بريطانيا؟ هم يقولون علينا أن نعمل كما يعمل الناس، وإذا كان المسلمون وحدهم يستبيحون السرقة فسوف يحكمون على أنفسهم بالزوال”.
وشدد بنحمزة على أن الفقه الإسلامي “لا يشجع على السرقة”، وأن الجهاد في جميع تفاصيله “هو من أحكام الإمامة العظمى، وليس من اختصاص شخص جالس في مسجد أو في مكان ما ويعلن الحرب، وإلا ستطلع الحروب في كل مكان”، مبرزا أن ضحية هذه “الفتاوى” هم المسلمون أنفسهم.
ودعا رئيس المجلس العلمي المحلي لوجدة المغاربة والمسلمين المقيمين في الغرب إلى البدء في دراسة الفقه الإسلامي الصحيح بأصوله وقواعده على يد العلماء، معتبرا أن “الصورة المتشكّلة لدى المسلمين إزاء علاقتهم مع الأغيار وإزاء واقعهم ستختلف إن هم أقبلوا على العلماء من أجل تضبيب الأشياء المنكسرة وتصحيح الأخطاء”.
وزاد قائلا: “علينا أن نعود من جديد إلى المنابع، فالله أحالنا على العلماء لا على فئة أخرى، فهم يتحدثون بالشريعة وأحكامها لأنهم خبروا النص الشرعي. كلامهم ليس منزها عن الخطأ ولكنه أقرب ما يكون إلى الصواب”.
وجوابا على سؤال “كيف نكون أمّة وسطا؟”، قال بنحمزة إن معنى أن تكون الأمّة وسطا هو أن تكون عادلة، وأن المقصود بالوسطية، كما ذهب إلى ذلك العلماء، هو العدل والإنصاف، بحيث إن المسلمين مطالبون بالعدل في الرؤية والتقويم والعبارة.
وأكد الفقيه المغربي أن القرآن حين تحدث عن التعامل مع الأغيار لم يحكم عليهم حكما شاملا، بل جعلهم درجات، مستدلا بالآية القرآنية: “ومن أهل الكتاب مَن إن تأمنه بدينار يودِّه إليك، ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمتَ عليه قائما”.
وأشار إلى أن الفقه الإسلامي بنى أحكامه على هذه الآية، حيث قال الفقهاء بأنه يجوز للإنسان المسلم أن يتعامل مع غير المسلم في الجانب المتعلق بما هو دنيوي، وأن يأتمنه ويُقرضه ويضع لديه ماله إذا علم لديه الأمانة.
واستطرد المتحدث ذاته بأن الرسول كان يُنصف غير المسلمين، وشهد في بعض الجاهلية بالخير؛ إذ قال في ملك الحبشة النجاشي إنه ملك لا يُظلم عنده أحد، وكان يعلّم الصحابة أن يكونوا كذلك في تعاملهم مع الغير، “وهذا ما استهوى الناس وجعل الإسلام ينتشر بنوره وعدله”.
ودعا بنحمزة إلى العودة إلى الوسطية التي هي الأصل الذي بُني عليه الإسلام، مضيفا: “علينا أن نحاسب أنفسنا على القول، وبعض الذين يتحدثون وليسوا من أهل الحديث يجب أن يكفّوا ألسنتهم، لأنهم يُحدثون للناس مشاكل ويشعلون حرائق يستغلها الآخرون ضد الإسلام”.