نعى عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق، محمد الوفا، الوزير الذي شغل معه منصب التربية الوطنية وبعدها الشؤون العامة والحكامة، الذي وافته المنية اليوم الأحد، عن عمر يناهز 72 سنة، متأثرا بإصابته بعدوى فيروس كورونا المستجد.
بنكيران الذي تجنب نعي رفيقه عبد الله باها بسبب ما قال إنها “نفسيته التي لم تسمح له بذلك، رغم العلاقة التي كانت معه”، سجل، في بث مباشر له على صفحته، أن “مسار سي محمد الوفا لم يكن نفس مسار الراحل باها”.
واستحضر الأمين العام السابق لحزب “المصباح” وهو يعدد مناقب الراحل الوفا، فارق السن بينهما، حيث قال: “يكبرني بست سنوات، ويتجاوزني في النضال كثيرا”، قبل أن يضيف أن صدى الوفا كان يصل له وهو تلميذ؛ لأن الشاب القادم من مراكش كان مسؤولا على القطاع الطلابي لحزب الاستقلال، وبعده الشبيبة الاستقلالية.
“وفي الوقت الذي كان اليسار مهيمنا على الجامعة المغربية، وما رافق ذلك من عنف من طرفها”، يتساءل المسؤول السابق في الشبيبة الإسلامية، وهو ينعي صديقه الذي عمل إلى جانبه في الحكومة منذ سنة 2012 إلى سنة 2016، “عن إعلانه أنه استقلالي ومع أفكار علال الفاسي وتحدى تلك المرحلة رغم أنه كان مهددا بأشياء كثيرة”، ليجيب “أن الشجاعة وحدها وراء ذلك”.
وأكد بنكيران أنه لم يكن له مع الراحل أي اتصال مباشر على المستوى السياسي سوى التحية في بعض المناسبات خلال مراحل الشباب، ثم أضاف: “عندما تم تعييني رئيسا للحكومة اختلفت مع من كلفهم الملك بالحكومة حول حقيبة وزارة التعليم”، معلنا أنه “عندما تم اقتراح سي الوفا فرحت كثيرا لكونه استقلاليا وبسبب القرب السياسي بيننا”.
وفي هذا الصدد أوضح بنكيران، الذي غالب دموعه أكثر من مرة في بثه المباشر على صفحته، أن “الوفا المرح عندما قدم للوزارة، كأننا نعرف بعضنا من قبل، اشتغل معي إلى أن غادرت الحكومة”، معتبرا بأنه لم ير شخصا ينطبق اسمه على صفاته، لأنه فعلا كان وفيا؛ وهو ما جعله يلتقيه أسبوعيا منذ سنة 2017، تاريخ إعفاء بنكيران من طرف الملك.
وفي لحظة بوح إنساني، أعاد بنكيران التذكير بلقاءاته الأسبوعية يوم الأربعاء مع الوفا بحضور صديقهما الوزير السابق محمد نبيل بنعبد الله والذي كان يؤنس وحشته، كاشفا أن “الرجل كان يصلي معه المغرب، ويصر على عدم المغادرة إلا بعد صلاة العشاء، وأن ما يحول بين لقائهما سوى الظروف القاهرة”.
وفي تعداد خصال الرجل، أوضح رئيس حكومة المغرب السابق أن “الوفا يتميز بالفهم السريع، وكان أول من يفهم النكتة ومغزاها”، مشددا على أنه “كان وفيا للملكية ومدافعا عنها ولم يثبت أن أشار لها بأي سوء”.
“كان حاضي معيا، وإن كانت للرجل عيوب، لكنه كان قريبا وأرى فيه أنه مواطن مخلص لوطنه وملكه”، يورد بنكيران الذي أعلن أن “عدم مغادرة الوفا للحكومة كانت له أسباب حقيقية”، مضيفا “طلبت أن يظل الوفا في الحكومة رغم الخلاف مع المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة، وكان من عناصر التفاوض أن يظل في الحكومة؛ وهو ما تمت الاستجابة له، وكان خبرا سعيدا بالنسبة لي”.
وفي تعداد مواقف الرجل، أكد بنكيران أن “ناصر الحكومة ورئيسها بدون تحفظ، ولأنه مراكشي “فايق” يعرف مقالب الآخرين”، مشددا على أن “مواقفه في البرلمان شاهدة عليه، وكان بيننا ود كبير رغم الاختلاف بيننا”.
وكشف بنكيران أنه ينزعج منه في بعض الأحيان لكون “راسه قاصح”؛ وهو ما تجلى خلال مرضه الأخير، لكونه تأخر في القيام بتحليلة الفيروس، لكن قدر الله وما شاء فعل، مشيرا إلى أن “صديقه الدكتور زيدوح سبق الذي أدخله إلى مصحة قبل ذلك، وقام بعملية وترك على إثرها التدخين وتحسنت حالته الصحية، لأنه يحب الحياة وكان متفائلا”.
جدير بالذكر أن الوفا قد شغل مناصب عديدة؛ فقد عيّن في 2012 وزيرا للتربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي في حكومة عبد الإله بنكيران الأولى، وبعدها وزيرا منتدبا مكلفا بالشؤون العامة والحكامة في النسخة الثانية من الحكومة ذاتها، بعد انسحاب حزب الاستقلال من تحالف الأغلبية سنة 2013.
وسبق لمحمد الوفا، ابن مدينة مراكش، أن شغل منصب سفير للمملكة المغربية ما بين 2000 و2004 في الهند، قبل أن يعيّن سفيرا في إيران سنة 2006، ثم سفيرا في البرازيل.