احتل الحمار مكانا متميزا في خطابات رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران في حكايات شبيهة بحكايات جحا، تجمع بين الأمور الغيبية وبين الأحداث الواقعية والحيوانات.

ولعله المسؤول الحكومي الوحيد في تاريخ المغرب الذي كان يستعمل الحيوانات في السياسة، وقد كان من الطبيعي أن يخصص خطابات كثيرة عن “الحمار” إلى درجة أنه عرّف “الوسطية” ذات يوم في تجمع خطابي بأنها “ما دون البغل وفوق الحمار”.

وعندما فكر خصوم رئيس حكومة حزب العدالة والتنمية، في بدايتها، في توجيه ضربة سياسية له، استعملوا الحمير، حيث شارك ستة حمير في احتفالات فاتح ماي، ولم يكن أحد يتصور وقتها أن الخطاب السياسي قد ينحدر مع وصول موجة الشعبويين إلى مناصب السلطة إلى هذا المستوى؛ إذ كانت الحمير تتجول وسط المتظاهرين في شارع محمد الخامس بالرباط، وبعضها كتب على ظهره عبارة بنكيران الشهيرة “واش فهمتيني ولا لا”.

ولأن بنكيران بارع في فهم هذه اللغة أكثر من خصومه، فقد علق على تلك المسيرة المنسية قائلا إن “الحمير كانوا مساكين لأنهم لم يأخذوا مقابلا”، ففتح الباب بذلك أمام التأويل.

لم يكتف بنكيران بالحديث عن الحمير داخل المغرب، بل في السنة نفسها، سنة 2013، وخلال حديثه مع الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي عن طرق اشتغال المعارضة في البلدين، نقلت الصحافة عن بنكيران قوله للمرزوقي: “عندنا في المغرب المعارضة وحزب الاستقلال بزعامة شباط لم تكتف بإنزال الناس للشارع للتظاهر ضد الحكومة، بل أنزلوا حتى الحمير المسكينة إلى الشارع للتظاهر ضدي”. وقال في تصريحات إعلامية موجها كلامه لشباط: “خلي عليك الحمير فالتيقار”.

ولأن الحديث عن الحمير يكتسي خطورة كبيرة في بعض الحالات، فقد تراجع بنكيران عن مهاجمتها، مستغلا خروجا إعلاميا كبيرا ليقول: “أنا معندي مشكل مع الحمير، الحمير كانوا صحابي”.

الإنسان إنسان والحمار حمار، لكن أزمة الخطاب السياسي، في دولة مثل المغرب، تصل إلى أسوأ تجلياتها عندما يتم الحديث عن إشراك الحمير في السياسة، ومثل هذا الخطاب لا يمكن أن يظهر في السياسة إلا من خلال إعادة فتح الباب للشعبويين.

لكن إذا أمكن استعمال الحمير، بالتزامن مع اندلاع موجة الربيع العربي في السنوات التي تلت سنة 2011، فإن الأمر ليس كذلك سنة 2021، حيث لا يمكن تصور استعمال الحمير في مظاهرات بالشارع العام.

ومن ثم، فإن عودة بنكيران إلى الخطاب السياسي اليوم بمعطيات تجاوزها الزمن داخل حزب العدالة والتنمية وخارجه، سيكون حتما عديم الجدوى، لأن الحياة لا ترجع إلى الوراء، والمثل الإنجليزي يقول: “لا يستدعى الحمار للعرس إلا لجلب الماء أو الحطب”.. أعزكم الله.

hespress.com