لم تكن خرجة عبد الإله بنكيران الأخيرة بشأن فلسطين وعودة الاتّصالات الرّسمية بين تل أبيب والرّباط موجّهة بالأساس إلى أعضاء حزب العدالة والتنمية وشبيبته للالتزام بالصّمت؛ بل أصرّ الأمين العام السابق لحزب “المصباح” ورئيس الحكومة السابق على بعث رسائل إلى القصر من أجل كسب ودّه، وبأنّه يمثّل “عنصر استقرار” يمكن الوثوق به، وهو بذلك يحاول رسم مستقبله السّياسي.

وباتت قيادة حزب العدالة والتّنمية تسير برأسين؛ الأوّل رسمي يقوده سعد الدين العثماني الذي لا يعطي الانطباع بأنه متحكم في مجرى الأمور داخل الحزب، والثّاني يمثّله تيار عبد الإله بنكيران الذي بات يتقوى ويتمتع بشعبية كبيرة خاصة في صفوف شباب الحزب وبعض الهيئات الموازية.

وساد نقاش قوي داخل الحزب الإسلامي بضرورة تقييم التّجربة الحكومية وما اعتبره البعض “هفوات” حصلت إبّان مشاركة الحزب في الائتلافِ الحكوميّ الحاليّ؛ بينما يدخل حزب العدالة والتّنمية مرحلةً جديدة من التّجاذب الدّاخلي، مع وصول هذا النّقاش إلى درجة “التّلويح بعقد مؤتمر استثنائي لمناقشة أزمة الحزب”.

وسيكون الحزب الإسلامي أمام جبهات كثيرة ومعقدة في طريقه إلى تشريعيات 2021؛ فعليه أولا خلق استقرار داخلي في ظل تصاعد الغضب ضد القيادة الحالية التي لم تحقق طموحات أعضاء الحزب، باعتباره قدم تنازلات كثيرة لخصومه.

وفي هذا الصدد، يؤكد المحلل السياسي عبد الرحيم العلام أنّ “بنكيران كائن سياسي يخطئ من يقول بأنّه تقاعد سياسيا ولن يعود إلى الواجهة”. مبرزاً “هذا الأمر غير وارد. الكائنات السّياسية لا تموت، ولا ترجع إلى الخلف، ويصعب إحالتها على التّقاعد”، لافتا: “أتوقّع أن بنكيران لمّا كان يتكلم عن فلسطين كان يضع نفسه مكان العثماني”.

وشدّد الأستاذ الجامعي في جامعة قاضي عياض بمراكش على أنّ “بنكيران لمّا وضع نفسه في هذه المعادلة لم يكن بإمكانه أن يقوم بغير ما قام به العثماني. وهذه براغماتية سياسية بصرف النّظر عن موقف بنكيران من التّطبيع؛ فهو يُمهّد لمستقبله السياسي ولديه طموح للعودة إلى المشهد السّياسي، الذي من عناصره المستقبلية التّعامل مع إسرائيل”.

وقال أستاذ العلوم السياسية بأنّ “بنكيران يتصّور نفسه رئيس الحكومة المقبلة أو وزير فيها؛ فهو يحاول أن يخوض هذه التّجربة، ويتكيّف مع هذا الوضع الجديد، ويتناغم مع رغبات الملكية. وحديثه حول فلسطين يؤكد بالملموس أنه خادم وفيّ للملكية سواء من منطلق المسؤولية أو من صفته كعضو داخل “البيجيدي””.

وذهب العلام إلى القول بأن “بنكيران ليس عضوا عاديا في الحزب؛ فهناك اليوم إيديولوجية “كيرانية” يتبنّاها الشّباب ويتعاطف معها شيوخ الحزب. وعندما يتحدّث بنكيران عن موضوع ما فهو يصبح عنواناً للصّواب ويجب اتّباع ما يقوله لأنّه لا يمكنه أن يخطئ. ومنه تخرج الحكمة”، مشيرا إلى أن “بنكيران يتحدّث من منطلق ذاتي وهو يوجّه كلامه إلى القصر وإلى حزبه؛ ويطمئن الدّولة بأنه عنصر استقرار يمكن الوثوق به”.

hespress.com