لا يريد عبد الإله بنكيران، الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة السابق، أن يترك الحياة السياسية المغربية “مهزوما”. ولذلك، قرر فتح نيران المواجهة مع إخوانه داخل الحزب؛ أبرزهم سعد الدين العثماني، الذي يقود الحكومة والحزب معا. ومع اقتراب موعد الانتخابات، يبدو أن هذا الصراع سيتخذ أشكالا مختلفة؛ بدءا بالتلويح بالاستقالات، وتهييج القواعد ضد “القيادة”.
وذهب العثماني في صراعه مع بنكيران إلى أبعد حد، حيث قام بتمرير مشروع قانون يتعلق بتقنين استعمالات القنب الهندي “الكيف” لاستغلاله في الأغراض الطبية والصناعية خلال أشغال المجلس الحكومي الأخير؛ وهو القانون الذي يرفضه الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية وطالب بتجميده وعدم المصادقة عليه، ولوح بالاستقالة في حال ما تمت المصادقة عليه، قبل أن يقرر قطع علاقاته مع كل من سعد الدين العثماني ومصطفى الرميد ولحسن الداودي وعبد العزيز الرباح ومحمد أمكراز.
ويسعى بنكيران إلى قيادة الغاضبين من توجه فريق حزب “المصباح” داخل البرلمان إلى المصادقة على مشروع قانون “الكيف”، حيث يعتبر أن تقنين زراعة نبتة القنب الهندي ليس حلا، وأن “ادعاء تقنين أو إنهاء المتابعة القضائية في حق الناشطين في هذه الزراعة مجرد أوهام يروجها البعض”، موضحا أنه “بالرجوع إلى الدراسات، فإنه ليس هناك يقين بالاستعمالات المنفعية لهذه النبتة”.
ومع النقاش المتصاعد حول تقنين زراعة “الكيف” واستغلالها لإعادة الحياة الزراعية والاقتصادية لمناطق الشمال، التي تعاني من التصادم مع القانون بخصوص هذه الزراعة، يقف المحلل السياسي كريم عايش عند تصاعد لهجة رئيس الحكومة السابق اتجاه الحكومة الحالية والمشرعين، ومنها اتجاه قطاع اجتماعي واسع يضم فئة عريضة من المواطنين الذين وجدوا أنفسهم وسط مناطق لا تصلح زراعيا إلا لإنتاج القنب الهندي.
ويشدد المحلل ذاته في حديثه على أن “استماتة بنكيران في رفضه لمشروع ‘الكيف’ تدفع إلى التساؤل حول خلفيات هذا القرار، لا سيما أن الأمر يتعلق برئيس حكومة سابق أدرج قوانين، سواء في المجالس الحكومية أو تحت قبة البرلمان، استهدفت المواطنين والطبقة المتوسطة وألهبت جيوب المغاربة”.
واعتبر عايش أن “انفعال رئيس الحكومة السابق ذهب إلى حد قطع علاقاته الشخصية مع أعضاء الأمانة العامة للحزب والمجلس الوطني الذي ينتمي إليه”، متسائلا حول “وزن الرجل سياسيا داخل المنظومة الحزبية، ولماذا يتم التعامل بهذا الزخم مع سياسي متساو في العضوية كأي مناضل حزبي”.
ويستحضر الباحث ذاته سياق الانتخابات المقبلة والتي صارت منبعا للعديد من التكهنات، خاصة بعد بروز وجوه قديمة اختفت عقب هزيمتها في الانتخابات السابقة والتي ستذكي الصراعات السياسية داخل المدن الكبرى، إذا ما أعلن رئيس الحكومة السابق ترشيحه؛ وهو ما سيفتح الساحة لتحركات كتلك الموجودة على رقعة الشطرنج.
ويرى عايش أن “استقالة بنكيران هي تحرك سياسي في أفق الانتخابات كي تتم شرعنة عودته إلى الساحة، باعتباره آخر قلاع مبادئ الحزب الأولى، وأنه المخلص الذي سيعيد عجلة الزمن إلى الوراء.. وفعلا، ذلك ما سيكون وستتحول الساحة السياسية إلى ساحة نقاشات عقيمة وتهريج سيؤدي الناخب ثمنه، كما أدى من قوانين مالية مثقلة لكاهل المواطن بأصناف ضريبية جديدة ورسوم لم تكن في الحسبان”.