استند الدكتور ناصر بوشيبة، الخبير في الشأن الصيني، إلى تجربة طويلة وسنوات عديدة قضاها في “بلاد التنين” ليقدم للقارئ المغربي والعربي زبدة ما رصده من ملاحظات ومسارات بشأن العلاقات بين الرباط وبكين، من خلال كتاب صدر حديثا بعنوان: “تاريخ العلاقات المغربية الصينية (1958-2018)”؛ يتسم بأسلوبه الوظيفي والتقريري والتوثيقي، كما يحمل بين دفتيه لغة واضحة وأسلوبا مباشرا دعمه التوجه نحو استخدام مصطلحات تقنية.

ومن خلال السرد التاريخي لتطور العلاقات المغربية الصينية، يبرز الدور المهم الذي لعبه كل من الراحلين الملك محمد الخامس والملك الحسن الثاني، والزعيم الصيني تشو إنلاي، في إرساء قاعدة صلبة لتطور العلاقات الثنائية، وكذلك إرادة الملك محمد السادس والرئيس سي جين بينغ في الدفع بالعلاقات الثنائية إلى مستويات عالية.

وأمضى مؤلف الكتاب أكثر من عشرين سنة في الصين، ما جعله يتقن اللغة الصينية ويلم بالثقافة الصينية العريقة.

بوشيبة حاصل على الإجازة في اللغة للصينية، والماستر في إدارة الأعمال من جامعة صن يات سين بمدينة كوانجو، والدكتوراه في النظريات السياسية من معهد السياسة والإدارة العمومية بالجامعة نفسها؛ وفي عام 2012 عين أستاذا محاضرا بمعهد اللغات بجامعة سون يات سين في اختصاص التدبير الإستراتيجي والمقاولة..ومنذ 2015، تخصص في تقييم مشاريع المساعدات الصينية لإفريقيا في إطار مبادرة الحزام والطريق، وله إصدارات باللغة الصينية، كما أشرف على تطوير برامج تعليمية لفائدة الطلبة الصينيين.

وأجرت هسبريس مع بوشيبة هذه الدردشة لمعرفة سياقات ومضامين الكتاب الجديد.

لماذا هذا الكتاب تحديدا الذي يفصل في العلاقات بين المغرب والصين؟ وما سياقاته الرئيسة؟

بعد الزيارة الملكية التاريخية عام 2016، التي شهدت توقيع اتفاقية الشراكة الإستراتيجية بين صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه لله وفخامة الرئيس سي جين بينغ، تولدت لدي فكرة تأليف هذا الكتاب، واستثمار نتائج بحث قمت به سابقا عن دراسة مقارنة بين المساعدات الفرنسية والصينية للمغرب. وتم تأليف الكتاب باللغة الصينية، ثم قمت بترجمته لاحقا إلى العربية والفرنسية.

من بين أهداف هذا الكتاب أن يصبح أداة في أيدي الطلبة والباحثين المغاربة والصينيين، تساعدهم على استكشاف مواضيع أبحاث مستقبلية في مجالات التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي بين البلدين. وبالمناسبة، أضع جميع البيانات والمراجع التي قمت بتجميعها خلال فترة تأليف هذا الكتاب من مقالات واتفاقيات ثنائية تحت تصرف باحثينا.

ونظرا لاعتمادي معطيات دقيقة في تحليل التبادلات التجارية بين البلدين، وخاصة بيانات مكتب الصرف المغربي وقاعدة بيانات جامعة بكين، آمل أن يصبح الكتاب كذلك أداة لمساعدة رجال الأعمال من مصدرين وموردين ومستثمرين لاكتشاف فرص جديدة للمقاولة بين البلدين. فبعد طرح الكتاب للبيع في المكتبات الصينية توصلت بدعوات من جمعيات شبه عمومية لرجال الأعمال من أجل إلقاء محاضرات عن العلاقات المغربية الصينية، والتعريف بفرص الاستثمار في المغرب. ونحن بصدد التحضير للقاءات مماثلة مع رجال عمال مغاربة.

وآمل أن يساعد هذا العمل المتواضع الدبلوماسيين من البلدين على تعميق المعرفة بالبلد الذي ينوون التوجه إليه، خاصة أن الكتاب تم تصنيفه في الصين من طرف لجان الرقابة العديدة التي مر منها قبل الطباعة في خانة “كتب الدبلوماسية الدولية”.

كتابك يتحدث عن مسار 60 عاما من العلاقات بين البلدين..ما هي المبادئ التي بنيت عليها هذه العلاقات؟

على الرغم من أن المغرب والصين اختارا أنظمة سياسية ونماذج تنموية مختلفة في خمسينيات القرن الماضي، إلا أن علاقاتهما السياسية اتسمت دائمًا بالشفافية والثقة المتبادلة، ما يجعل هذه العلاقات الثنائية نموذجًا يحتذى به بين الدول السائرة في طريق النمو.

ولقد اتضح لنا بعد تحليل أرشيف التبادلات بين القادة والحكومتين أن العلاقات بين البلدين كانت دائمًا مبنية على مبدأ تطوير التعاون الثنائي متبادل المنفعة بهدف تحقيق الاستقلال الاقتصادي، ومبدأ الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

وشرحت في الكتاب لأصدقائنا الصينيين أن المغرب مثل باقي البلدان النامية الأخرى عانى بعد استقلاله من مشاكل حدودية.

وبينما كان المغرب يدافع عن وحدة أراضيه، كان يأمل على الدوام في إيجاد حل معقول للمشكل المفتعل في أقاليمه الجنوبية من خلال الأمم المتحدة.

ودأب المغرب على إبلاغ الحكومة الصينية بآخر التطورات بشأن الصحراء المغربية، وموقفه المتمثل في اعتماد الحكم الذاتي الموسع.

ولم تتدخل الصين أبدًا بشكل سلبي في النزاع بين المغرب والجماعة الانفصالية في الأقاليم الجنوبية للبلاد، ما يعكس سياستها الخارجية الممتازة المتمثلة في عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى.

وفي المقابل، عندما يتعلق الأمر بالقضايا الداخلية للصين، فقد أيد المغرب دائمًا مبدأ الصين الواحدة. ومنذ إقامة العلاقات الدبلوماسية عام 1958، لم يتوقف المغرب عن مناشدة المجتمع الدولي استعادة الصين مقعدها القانوني في الأمم المتحدة، ما تم في أكتوبر 1971. في حين لم تسع الحكومة المغربية أبدا إلى إقامة أي علاقات مباشرة أو غير مباشرة مع السلطات التايوانية.

نسمع كثيرا عن مبادرة الحزام والطريق ..هل لك أن تشرح لنا مضمون وأهمية هذه المبادرة؟

تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني، عمدت الصين باستمرار إلى تعديل سياسات التعاون الخارجي وتحسين بيئة الأعمال الداخلية، من أجل اندماج أسرع في النظام الاقتصادي العالمي بعد اعتماد سياسة الإصلاح والانفتاح عام 1978.

وأظهرت الأزمة المالية لعام 2008 للحكومة الصينية أن النظام الليبرالي العالمي دخل في حالة من عدم التوازن، وأن نمو الطلب الخارجي الصيني ستتم إعاقته بشكل متزايد بدوافع حمائية من بعض الدول المتقدمة.

رد فعل الحكومة الصينية جاء بسرعة عن طريق تعويض البيئة الهشة للسوق الدولية من خلال تحفيز الطلب الداخلي، حيث تم رصد أكثر من 400 مليار دولار من الاستثمارات العمومية من أجل تحسين جودة البنية التحتية التي ساهمت في تحفيز الاستهلاك الداخلي.

وأمام انتشار “نظرية التهديد الصيني” الذي رفعت من خطر فقدان الصين لحصتها في السوق العالمية. ومن أجل الحصول على أسواق جديدة وتقليل الاعتماد على الأسواق الغربية، جاءت مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها الصين عام 2013، مصحوبة بإنشاء البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (BAII) وصندوق طريق الحرير (SRF) لتعويض الخلل الاقتصادي العالمي، لتصبح آلية عالمية جديدة للتعاون متعدد الأطراف.

وقد بدأ المغرب يجني بعض ثمار هذه المبادرة، خاصة في المجالات الصناعية، باستقطابه شركات صينية في المناطق الصناعية للمملكة؛ وفي المجال السياحي الذي احتل فيه المغرب المرتبة الأولى عام 2019 كأفضل وجهة سياحية للسياح الصينيين.

hespress.com