يؤكد عبد الله بوصوف، الخبير في العلوم الإنسانية، أن عملية “تهريب” رئيس المرتزقة إبراهيم غالي إلى إسبانيا للعلاج بهوية مزورة، “عرت عن تنسيق على أعلى مستوى بين إسبانيا في شخص رئيس حكومتها سانشيز، والجزائر في شخص رئيسها عبد المجيد تبون، كما تم تقديم ضمانات بعدم المتبعة القضائية لإبراهيم غالي”.
ويطرح بوصوف تساؤلات في مقال جديد: ما هو المقابل الذي جعل رئيس الحكومة الإسباني يُغامر بالعلاقات المغربية الإسبانية؟ وهل يمكن التسليم بأن أجهزة استخبارات البلديْن لم تستشعر تداعيات فرضية وصول المعلومة إلى المغرب؟ وهل هي الثقة المفرطة والزائدة في عمل تلك الأجهزة أم هي فقط قوة يقظة الأجهزة المغربية؟
يغوص بوصوف في الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها حول هذه القضية الشائكة في مقاله الجديد.
وهذا نص المقال:
“غالي” في وادي الذئاب .. عفوا في وادي “إيبرو”
نتابع باهتمام بالغ كل ما يتعلق بتداعيات عملية “تهريب” رئيس المرتزقة إبراهيم غالي إلى إسبانيا للعلاج بهوية مزورة، كما نتابع ردة الفعل الإيجابية لمغاربة العالم بصفة عامة، ولمغاربة إسبانيا وخروجهم للمطالبة بمحاكمة “السفاح” إبراهيم غالي على كل جرائمه، سواء بصفته وزيرا للدفاع أو سفيرا لدى الجزائر أو حتى بصفته زعيما لتنظيم المرتزقة.
كما نسجل إصرار الضحايا على المتابعة فوق الأراضي الإسبانية حيث هو مطلوب لدى مؤسسات العدالة الإسبانية، وتنظيم بعض مكونات المجتمع المدني بإسبانيا لوقفات احتجاجية للضغط على المسؤولين أمام الرأي العالم المحلي والوطني الإسباني والدولي لمحاكمة إبراهيم غالي على كل جرائمه ضد الإنسانية.
وعملية نقل إبراهيم غالي للاستشفاء بإسبانيا بجواز ديبلوماسي مزور، بعد رفض السلطات الألمانية، ليست بالأمر الهين؛ إذ إن تزوير جواز السفر هو أولًا إنكار للهوية الحقيقية لحامله، وهو جرم خطير يدخل في عداد جرائم الإرهاب الدولي، ويعاقب عليه القانون الإسباني وكذا قوانين الاتحاد الأوروبي.
وثانيًا، محاولة للإفلات من العقاب لأن إبراهيم غالي مطلوب للعدالة الإسبانية وصدرت في حقه قرارات قضائية.
وثالثًا، هو اعتراف ضمني باقتراف إبراهيم غالي لجرائم ضد الإنسانية من تعذيب واغتصاب وإبادة جماعية واختفاء تعسفي، وغيرها.
رابعًا، هو دليل قوي على أن البوليساريو وكل بيادقها هم فقط دُمى و”عَرائِس” تحركهم السلطات الجزائرية وتلبسهم جلباب الحكومة أو الجيش أو الحقوقيين… وقت ما تشاء وحيث ما تشاء.
الأكيد هو أن هذه العملية عرت عن تنسيق على أعلى مستوى بين إسبانيا في شخص رئيس حكومتها سانشيز، والجزائر في شخص رئيسها عبد المجيد تبون، وتم تقديم ضمانات بعدم المتبعة القضائية لإبراهيم غالي. لكن ما هو المقابل الذي جعل رئيس الحكومة الإسباني يُغامر بالعلاقات المغربية الإسبانية؟ وهل يمكن التسليم بأن أجهزة استخبارات البلديْن لم تستشعر تداعيات فرضية وصول المعلومة إلى المغرب؟ وهل هي الثقة المفرطة والزائدة في عمل تلك الأجهزة أم هي فقط قوة يقظة الأجهزة المغربية؟
لذلك، طرحنا سابقا سؤالًا يتضمن فرضية تضحية النظام الجزائري بإبراهيم غالي، وهو الرجل الطاعن في السن (73سنة)، الذي فشل في إخماد التيارات الوحدوية داخل المخيمات ولم ينجح في إحداث “الشُو” (show) السياسي والحقوقي والإعلامي المناسب في العديد من المحطات، بدءا بمحاكمة مخيمات “اكديم ازيك”، إلى عودة المغرب إلى المنظمة الإفريقية والاشتغال بقوة داخل لجانها ومؤسساتها، كما لم ينجح في وقف نزيف سحب الاعتراف بالكيان الوهمي، ومشاركة ممثلي الأقاليم الصحراوية المغربية في محادثات جنيف والبرتغال واستقالة المبعوث الشخصي للأمين العام في ملف الصحراء المغربية، بالإضافة إلى ملف جائحة “كوفيد-19” والخصاص الهائل في المجال الصحي وانهيار المساعدات المالية والعينية…
في المقابل، نسجل التدبير الحكيم للمغرب في موضوع الكركرات والإجماع العربي والإفريقي والدولي حول أحقية التدخل السلمي للمغرب من أجل التدفق السلمي للسلع والبضائع والشاحنات إلى العمق الإفريقي، وتوالي عمليات افتتاح القنصليات بمدينتي العيون والداخلة، ثم الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء…
وقد ظلت البوليساريو أثناء كل هذه المحطات ضد قرارات مجلس الأمن الدولي وضد الشرعية الدولية، وشكلت مصدر تهديد للسلم العالمي بإعلانها من جانب واحد عن نهاية اتفاق وقف إطلاق النار لسنة 1991 بالتوازي مع نشرها للإعلانات الحربية المثيرة للشفقة. وغير ذلك.
مما قد يدفع بجنرالات الجزائر إلى تقديم إبراهيم غالي “كبش فداء” لهذا الصراع الجبان حول قضية وهمية، وتقديمه للعدالة الإسبانية عسى أن يستفيد من بعض ظروف التخفيف لحالته الإنسانية والصحية المتدهورة. وبهذا قد تَطوي الجزائر صفحة إبراهيم غالي، كإجراء استعجالي لتقليص الخسائر السياسية والكلفة المالية لتبعات كيان البوليساريو.
لكن يقظة الأجهزة المغربية وضعت الحكومة الإسبانية وأجهزتها الأمنية في ورطة سياسية حقيقية، سواء أمام الجار المغرب أو الشركاء في الاتحاد الأوروبي أو أمام الإعلام الإسباني والعالمي. كما جعلت من جهة أخرى استقلالية القضاء الإسباني في المحك، خاصة بعد إعلان الحكومة الإسبانية عن ضمانات عدم المتابعة تحت مبررات “الظروف الإنسانية”!
ولوحظ في الآن نفسه خروج أبواق البوليساريو مرة لإنكار تواجد زعيمهم بإسبانيا، ومرة لتأكيد خبر وجوده في مستشفى إسباني من أجل تداعيات “كوفيد-19″، مع صمت إعلامي تام للحاضنة الجزائر. وهو ما يدفعنا إلى التشكيك في صحة أغلب روايات البوليساريو والحكومة الإسبانية، وأن الاختباء وراء “الظروف الإنسانية” هو فقط لتبرير اتخاد القرار المُضِر بالعلاقات التاريخية بين المغرب وإسبانيا.
إن الرغبة في التوصل إلى القراءة الأقرب إلى العقل والمنطق بعيدا عن أي انفعال عاطفي أو وطني، هو ما يدفعنا دائما إلى عدم إهمال كل التفاصيل مهما كانت درجة حجمها أو توقيت حدوثها.
لذلك، فإننا نعتقد أولًا أن فرضية إصابة إبراهيم غالي أو محمد بن بطوش بمرض السرطان أقوى من إصابته بـ”كوفيد-19″ كما تدعي البوليساريو، وهو ما تطلب نقله إلى مؤسسة طبية متخصصة في الانكولوجيا “بلاريوخا ” الإسبانية.
ثانيا، إن اختيار مدينة “لوغرونيو” (Logrono)، عاصمة منطقة “لا ريوخا” (La Rioja)، لم يكن صدفة إذا علمنا أن منطقة “لاريوخا” الحدودية مع منطقة “الباسك” تتمتع بنظام الحكم الذاتي، وأن مدينة ” لوغرونيو” لها توأمة مع إحدى خيام تيندوف منذ سنة 1991، وهو ما يعني تبادل الزيارات وتخصيص دعم مالي سنوي ودعم سياسي وإعلامي لأطروحة الانفصاليين. فهل تواجد غالي/بن بطوش بمدينة “لوغرونيو” هو إحدى قنوات الإفلات من العقاب وضمانة بعدم تسليمه للقضاء الإسباني؟
لكن ما نشره الدكتور Emanuele Ottolenghi، وهو دكتور في العلوم السياسية أستاذ تاريخ إسرائيل بجامعة اوكسفور مدير “تينك تانك” Transatlantic Institute منذ سنة 2006، في موقع “منظمة الدفاع عن الديمقراطيات” (FDD) التي يوجد مقرها بواشنطن العاصمة، في فاتح أبريل 2021، لا يجب أن يمر مرور الكرام، لأنه سلط الضوء على موضوع مهم جدا يتعلق بالعلاقات المغربية الإيرانية وحزب الله والملف الديني بأوروبا والبوليساريو والجزائر وفينزويلا…
فقد ذكّر الكاتب بقطع المغرب لعلاقاته الديبلوماسية مع إيران سنة 2009 تضامنا مع مملكة البحرين ورفض المساس بسيادته ووحدته الترابية، ثم سنة 2018 عندما ثبت تعاون حزب الله مع عصابة البوليساريو وتسليح وتدريب عناصرها، وزيارة “النانة لبات الرشيد” إلى بيروت سنة 2017 مع وفد من البوليساريو ولقائهم بقياديي حزب الله.
كما كشف الكاتب عن تاريخ إيران وحزب الله في تزوير جوازات السفر لتحقيق غايات مشبوهة وأنشطة إرهابية، مذكرا بتوقيف أفراد “حزب الله” بكل من البيرو (Mohammad Amadar بجواز سفر دولة سيراليون سنة 2014)، وتوقيف إيرانييْن بجوازات سفر إسرائيلية مزورة بالأرجنتين سنة 2019. كما أن الأجهزة الأمنية الأرجنتينية ستذهب إلى أن تلك الجوازات تم تزويرها بإسبانيا…
وبعدها بشهور قليلة، سيتم توقيف إيرانييْن آخريْن بجوازات سفر مزورة بدولة الاكوادور. وفي 6 يناير 2021، سيتم بالمغرب توقيف مواطن لبناني ينتمي إلى حزب الله وبحوزته جوازات سفر متعددة وبطاقات هوية. بالإضافة إلى تسليم السلطات المغربية المواطن اللبناني “قاسم تاج الدين”، وهو المسؤول المالي لحزب الله، سنة 2017 للسلطات الأمريكية التي ستطلق سراحه في يوليوز 2020، يُحتمل أن يكون ذلك في إطار عملية تبادل الأسرى…
الكاتب سيكشف عن ملف شائك تُصارع فيها إيران (الشيعة) المغرب (السنة)، أي الشأن الديني، وإصرار إيران على نشر التشيع وسط أفراد الجالية المغربية بأوروبا، مع تسخير كل إمكانياتها المالية واغراءاتها البترولية لتمكين “مؤسسة آل البيت” من نشر التشيع بأوروبا. وللتذكير، فقد افتتحت إيران مقرا كبيرا لـ”مؤسسة آل البيت” بمدريد الإسبانية حيث تعتمد على خدمات اللاجئين العراقيين الشيعيين المتواجدين هناك في عمليات نشر التشييع.
كما لم يُخْفِ الكاتب مرارة إيران عند توقيع المغرب لإعادة العلاقات مع إسرائيل في دجنبر 2020، وهو ما يطرح عدة أسئلة عند توقيف عضو بحزب الله بالمغرب ومعه جوازات مزورة وبطائق هوية متعددة، بعد شهر فقط من توقيع إعادة العلاقات المغربية الإسرائيلية!
إن كل هذه العوامل مجتمعة تقربنا من قوة فرضية تواطؤ كل من إيران وحزب الله في عملية “وادي إيبرو” إلى جانب الجزائر في تهريب المجرم “إبراهيم غالي” إلى إسبانيا بجواز سفر مزور، تَجنُبًا للمُساءلة القضائية وبعيدا عن الإعلام العالمي والمؤسسات الحقوقية.
فإبراهيم غالي/بن بطوش مطالب بالمثول أمام القضاء الإسباني للإجابة عن جرائم الاغتصاب والقتل والإبادة الجماعية والاختفاء القسري… في وقت تتصدر فيه ثقافة حقوق الإنسان ومحاربة العنف ضد النساء في ما يطلق عليه الآن “ثقافة الاغتصاب” أو “Culture Rape” كل العناوين الكبرى تحت القيادة الأمريكية الجديدة، أي في عهد الديمقراطي جو بايدن.
إن واقعة تزوير جواز سفر لزعيم المرتزقة غالي/بن بطوش من طرف الأجهزة الأمنية الجزائرية والدخول إلى إسبانيا منتحلا هوية مزورة، بالإضافة إلى أنه جُرم يُعاقب عليه القانون، فإنه يدفعنا إلى استحضار تاريخ وذكرى “أدولفو خامينسكي” (Adolfo kaminsky) الذي يعد أحد أكبر أيْقونات تزوير الجوازات والوثائق الشخصية في العالم.
“أدولفو” هذا استثمر موهبته في التزوير طيلة ثلاثين عاما من أجل إنقاذ المئات من اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية. كما ساعد الجنود الفرنسيين الفارين من التجنيد في حرب لاندوشين وغيرهم من رجال المقاومة ومعارضي الأنظمة الديكتاتورية بكل من إسبانيا والبرتغال واليونان ودول أمريكا اللاتينية، ووقف إلى جانب مانديلا ضد الأبارتايد. كما قدم خدماته لـ”جبهة التحرير الوطني” أثناء الحرب الجزائرية في أواخر الخمسينات وبداية الستينات، ولكل مُعارضي الحرب الجزائرية، سواء داخل شبكة جينسون (Réseau Jeanson)، أو شبكة كوريال (Réseau Curiel).
وفي سنة 1971، سينتقل “ادولفو” للعمل والعيش في الجزائر، وهناك سيقدم دورات تكوين وتدريب للعديد من الجزائريين وناشطين من أنغولا وجنوب إفريقيا، وغيرهم، في تزوير جوازات السفر والوثائق الشخصية.
لكن المفارقة الصارخة هي أنه إذا قام “أدولفو كامينسكي” بتزوير جوازات السفر من أجل الحرية وإنقاذ حياة الناس ومنع العنف والاغتصاب والإبادة الجماعية، واستحق بذلك لقب “البطل” وأوسمة رفيعة، فإن جنرالات الجزائر وبعض تلامذته (مَجَازًا) وظفوا عمليات تزوير الجوازات في التستر على المجرمين وإخفاء الإرهابيين والسفاحين ومغتصبي النساء… وجعلوا من أعمال التزوير عقيدة راسخة في أعمالهم القذرة.
ولعل أقوى دليل على تجذر عقيدة التزوير في عقلية جنرالات الجزائر هو واقعة “وادي إيبرو” بتزويرهم جواز سفر “غالي” زعيم الانفصاليين وإدخاله تحت جنح الظلام إلى مستشفى بإسبانيا خوفا من القضاء الإسباني. لكن هيهات، فقد انقلب السحر على الساحر، وأصبحوا عُرَاة أمام الرأي العام العالمي والإعلام والهيئات الحقوقية الدولية.
فمتى تنظف المنظمة الإفريقية بيتها وتطرد عصابة البوليساريو بعد دخولها عن طريق أظرفة ورشاوى النظام الجزائري؟ هل سيُحاسب “جهاز المؤتمر” بمنظمة الاتحاد الإفريقي جنرالات الجزائر على فضيحة تزوير جواز سفر وتهريب المجرم إبراهيم غالي المطلوب لدى العدالة الإسبانية ضدا في ميثاق ومبادئ منظمة الاتحاد الإفريقي، خاصة المادة الرابعة في فقرات “م” “و” “س”؟ وهل تتوفر صفات دولة في كيان لا يقدر حتى على إصدار جواز سفر لرئيسه مادام أن جواز السفر هو أحد عناوين السيادة الوطنية؟