قال الدكتور عبد الله بوصوف، الخبير في العلوم الإنسانية، إن “الحراك الشعبي الجزائري، بعد توقف اضطراري بسبب قوانين الاحتراز الصحي وطوارئ جائحة “كوفيد 19″، استمر على شبكات التواصل الاجتماعي واستمرت الاحتجاجات أمام العجز عن حل مشاكل اجتماعية واقتصادية من جهة، وعجز الحكومة على تقديم إجابات مقنعة على وقوف الجزائريين في طوابير الخبز والحليب واللحم”.
وأضاف بوصوف، في مقال له بعنوان “وما خفي كان أعظم بالشقيقة الجزائر”، أن “جنرالات قصر المرادية تكلفوا بإسكات كل من يتجرأ علنا بالإشارة إلى الوضع غير الدستوري الناتج عن غياب رئيس الجمهورية خارج البلاد في رحلة علاجية طويلة”، مشيرا إلى أنه “بظهور ما تبقى من الرئيس الجزائري وإعلانه عن حل البرلمان وتنظيم انتخابات مبكرة، مع حملة عفو لفائدة بعض معتقلي الحراك…، يعني فشل النخبة السياسية في تدبير إشكاليات المرحلة”.
كما شدد المتخصص في التاريخ على أنه “بحل البرلمان، يكون جنرالات قصر المرادية قد قدموا البرلمانيين ككبش فداء للحراك الشعبي، وفتحوا المجال لإعادة ترتيب المرحلة المقبلة؛ لكن بدستور يحتفظ لهم بـ’زر التحكم’، وباستمرار هيمنتهم على مفاصل القرار السياسي والاقتصاد والثروة الجزائرية وتبديدها في ملفات لا تعني الشعب الجزائري”.
هذا نص المقال كما توصلت به جريدة هسبريس الإلكترونية:
الحراك الشعبي، الذي احتفلت الجزائر بمرور سنته الثانية (19 فبراير 2021) بعد توقف اضطراري بسبب قوانين الاحتراز الصحي وطوارئ جائحة “كوفيد 19” على الرغم من حملات الاعتقالات والمحاكمات في صفوف نشطاء الحراك ورواد شبكات التواصل الاجتماعي، استمر على هذه الشبكات واستمرت الاحتجاجات أمام العجز عن حل مشاكل اجتماعية واقتصادية من جهة، وعجز الحكومة على تقديم إجابات مقنعة على وقوف الجزائريين في طوابير الخبز والحليب واللحم… وغيرها من جهة أخرى، وأمام الاحتياجات اليومية للمواطنين داخل دولة غنية بالبترول والغاز ولها من الإمكانيات المادية ما يجعلها في تطور ونماء دول الخليج العربي، سواء من حيث البنية التحتية وارتفاع جودة الصحة والتعليم وغيره…
فكان الجواب الأول هو تغيير الدستور وإدخال الشعب الجزائري في دوامة نقاشات عقيمة لا تُجيبه عن كيفية حل أزمة الحليب مثلا.. كما ساهم في تعويم النقاش مجموعة من الكتاب والإعلاميين المحسوبين على جنرالات قصر المرادية؛ وذلك بالانخراط في نقاش أولويات أخرى كدسترة قيام الجيش الجزائري بمهمات خارج الحدود.. وهو النقاش الذي طغى على دراسة مواضيع أكثر أهمية كاقتسام السلطة والمسلسل الديمقراطي والحقوق المدنية والاجتماعية والبيئية والثروات الجزائرية…. وغيرها، ما كان سيجعل من الدستور الجزائري الجديد متقدما ويحمي حقوق وحريات الشعب الجزائري الشقيق..
فالفصل 31 من الدستور الجديد خوّل للجيش الجزائري القيام بمهام عسكرية خارج الحدود.. فهل يعني هذا في إطار مهام إنسانية كالقبعات الزرق الأممية مثلا أم مهمات إنسانية بإفريقيا، أم كانت إشارات تهديدية لكل جيرانه..؟ ومما زاد الطين بلة هو إعطاء رئيس الجمهورية مسؤولية الدفاع الوطني في الفصل 91 فسره البعض باحتفاظه بمنصب وزير الدفاع…
وبعودة الاحتجاجات الشعبية إلى شوارع الجزائر العاصمة والمدن الكبرى أمام الأزمة المالية الخانقة وغياب رئيس الجمهورية خارج البلاد في رحلة علاجية طويلة… جعلته في وضع غير دستوري لتجاوزها المدة الدستورية خارج البلاد 45 يوما حسب المادة 102… لكن جنرالات قصر المرادية تكلفوا بإسكات كل من يتجرأ علنا بالإشارة إلى هذا الوضع غير الدستوري.
لكن سيدفع بالجواب الثاني، أي بظهور ما تبقى من الرئيس الجزائري وإعلانه يوم 18 فبراير في خطاب للشعب الجزائري عن حل البرلمان وتنظيم انتخابات مبكرة مع حملة عفو لفائدة بعض معتقلي الحراك… وهو ما يعني فشل النخبة السياسية في تدبير إشكاليات المرحلة؛ لكن النخبة نفسها، وخاصة بالبرلمان، هي من وافقت على نصوص التعديل الدستوري الجديد وهي من ترافعت من أجل التصويت عليه في استفتاء دستوري في نونبر 2020، في الوقت نفسه كان رئيس الجمهورية في رحلة علاج بألمانيا…
وبحل البرلمان، يكون جنرالات قصر المرادية قد قدموا البرلمانيين ككبش فداء للحراك الشعبي وفتحوا المجال لإعادة ترتيب المرحلة المقبلة؛ لكن بدستور يحتفظ لهم “بزر التحكم ” وباستمرار هيمنتهم على مفاصل القرار السياسي والاقتصاد والثروة الجزائرية وتبديدها في ملفات لا تعني الشعب الجزائري الذي يعيش أوضاع دول فقيرة لا تتوفر على ثروات هائلة واحتياطات من المليارات من العملة الصعبة وموقع على المتوسط يجعل منه دولة قوية على مستوى البنية التحتية والتجهيزات الاجتماعية وتخفض معدل البطالة وترفع معدل النمو والدخل الفردي لكل مواطن جزائري…
نحن في المغرب لا نتردد في القول وبكل حرية إن المملكة عاشت في فبراير من سنة 2011 احتجاجات شعبية مهمة، وقد كان خطاب 9 مارس الشهير إعلانا عن عودة المحتجين إلى بيوتهم وأعمالهم والدخول في ورش إعداد دستور جديد بمقاربة تشاركية ليجيب عن كل مطالب المرحلة ويستشرف المراحل المقبلة.. وشمل مناقشة كل النقط المطروحة؛ بما فيها اقتسام السلطة وتوسيع اختصاصات رئاسة الحكومة وترسيخ مبادئ الديمقراطية والحكامة الجيدة والجهوية وحقوق الإنسان وغيرها.. ولا يزال الورش مفتوحا، ولا يزال التغيير والتطوير والتجويد مطلبا حاضرا في كل الخطب والرسائل الملكية…
إن ما جاء على لسان السيد أحمد ونيس، وزير الخارجية التونسي السابق، في حواره مع قناة “أواصر تيفي” في 19 فبراير من هذه السنة، بقيام جنرالات قصر المرادية بشراء أصوات سياسيين ودول إفريقية من أجل اعترافها بكيان “البوليساريو” داخل المنظمة الإفريقية وتخصيص اعتمادات مالية خيالية مقابل التصويت لأطروحة “البوليساريو” داخل اللجان والهيئات الفرعية والمؤسسات التابعة للمنظمة الإفريقية هو بوح سياسي في غاية الخطورة يحمل في طياته تبديدا لثروة الشعب الجزائري وإرضاء لغرور شخصي لبضعة جنرالات ورثوا عقيدة عسكرية مريضة بالرغبة في تدمير الجيران ولو تعددوا، والاستمرار في حروب بالوكالة موروثة عن الحرب الباردة..
كما أثار الضيف نفسه في لهجة أسف على ما ضاع أن الجزائر احتفظت لنفسها بصحراء تابعة لدولة تونس الشقيقة؛ لكن سياقات زمنية وسياسية تونسية حالت دون معارضة الجيش الجزائري في مسعاه بضم أراض صحراوية تونسية.. وبلهجة المُغْبط، هنأ الوزير التونسي السابق المغرب على دفاعه عن حدوده وصحرائه ووقوفه أمام أطروحة غاصبة للصحراء المغربية…
إن مذكرات السياسيين والدبلوماسيين المغاربيين والأفارقة تُخفي العديد من تفاصيل بورصة جزائرية، أقامها العسكر الجزائري ليس من أجل نقل التكنولوجيا والتقدم والمعدات الطبية والصحية وآلات البناء والعمل… بل بضخ الملايير من أجل شراء ذمم وأصوات في سوق نخاسة سياسية بالمنظمة الإفريقية تهدف إلى تغيير حقائق التاريخ والجغرافية وخلق كيان يهدد به كل جيرانه، وأصبح ذلك الكيان مع مرور الوقت جمرة في يد العسكر الجزائري قد تحرقه في أي وقت؛ لأن تكلفة احتضان البوليساريو السياسية، سواء داخل إفريقيا أو العالم، مرتفعة جدا وتُشكل ثقبا في ميزانية الدولة.. كما أن ذلك الاحتضان كانت له تكلفة أخلاقية وسياسية جعلت الجزائر في حالة “شبه عزلة دولية”، اللهم محاولاتهم بشراء أصوات وولاءات هنا وهناك..
التكلفة الأخيرة ذات طبيعة حقوقية وأمنية، حيث تعج مخيمات تنذوف بالعديد من الخروقات الإنسانية والحقوقية وانتشار ظاهرة العبودية وعصابات السلاح والمخدرات وتجار ممرات الهجرة الدولية والإرهاب الدولي..