أراد تكرار تمرد الثائر الروسي “بوغاتشيف” بشمال شرق المغرب في العشرية الأخيرة من شهر رمضان منذ أزيد من قرن، لكن محاولته الانقلابية أجهضها “المخزن” بعد سبع سنوات من “ثورته البوحمارية”؛ إنه الجيلاني بن عبد السلام اليوسفي الزرهوني، المكنّى “بو حمارة”.

الثورة التي كادت أن تعصف بالعرش العلوي تعود حيثياتها إلى الفترة العصيبة التي شهدتها “المملكة الشريفة” في أوائل القرن العشرين، بفعل السخط الشعبي الذي رافق تولي السلطان عبد العزيز مقاليد الحكم في ظل “التحرشات الدبلوماسية” التي نفذتها البلدان الأوروبية الطامحة إلى استعمار المغرب.

“بوغاتشيف المغربي”، الذي عُرف بحنكته التدبيرية وذكائه الشديد وقربه من دوائر “المخزن”، الأمر الذي جعله ملما بحيثيات الوضعية الصعبة التي كان يجتازها المغرب، استغل الفرصة الذهبية بوفاة الوزير الوصي “با احماد” سنة 1900، ونقمة الشعب على السلطان بسبب سلوكه الشخصي وسياسته الإصلاحية، قصد قيادة التمرّد الهادئ في بداية “الثورة”.

بذلك، أصبح زعيم التمرد يجول بلاد المغرب الشرقي راكبا أتانا شهباء، ومنها جاءت كنية “بو حمارة”، ثم دخل الجزائر بإيعاز من بعض الجواسيس الجزائريين، حث زار عددا من مدنها، لا سيما وهران ومستغانم وتلمسان، وفيها اتصل بشيوخ الطريقة الدرقاوية الذين وعدوه بالمال والسلاح والخطط.

ويشير الباحث في التاريخ إبراهيم كريدية، ضمن مؤلّفه “ثورة بو حمارة”، إلى أن الزرهوني قد دخل وجدة سنة 1901، وتردد إلى قبائل “أنكاد”، وسار حتى طنجة، وهو يتظاهر بالنسك والتصوف، حيث يدعو الناس إلى المعروف وينهاهم عن المنكر، ليهاجم الحكومة الشرعية ويتهمها بالخضوع للأجنبي.

“الرّوكي بو حمارة”، الذي اكتسب أيضا هذه الصفة نظراً إلى طرق التضليل التي نهجها من أجل الوصول إلى المُلْك، وجد آذانا صاغية لدى العامة، لأن الكثير من الأفراد كانوا متذمرين من بعض تصرفات “المخزن”، وعلى رأسها التفريط في “قضية توات” والاتفاقيات بشأن الحدود.

ويؤكد الباحث كريدية أن “بو حمارة” دخل إلى العاصمة العلمية فاس ليستعلم الأخبار بعد النجاح التمهيدي، فتمكّنت دعايته من تحقيق هدفها، حيث تمّت مبايعته على نصرة الدين، وتسابقت إلى نصرته قبائل “تسول” و”البرانس” و”صنهاجة” و”مكناسة”، ثم بايعته قبائل “قلعية” و”بني ورياغل”، آملةً أن يصدّ عنها “تحرشات” الإسبان بمليلية.

“الأمير المزيف” استغّل معلومة في غاية الأهمية تتعلق بسجن الأمير مولاي امحمد الذي حاول أن ينازع السلطان عبد العزيز في حكمه آنذاك، فادّعى أنه الأخ الأكبر للسلطان، وهو الأمير الوريث المحروم من العرش، الذي يطالب باستعادة عرش أجداده وإنقاذ بلاده، لأنه كان متيقّنا من عدم استطاعة الصدر الأعظم إخراج الأمير الحقيقي إلى الواجهة.

الوريث المزعوم لم يكن سوى الجيلاني الزرهوني الذي قلّد خدعة المتمرّد الروسي “بوغاتشيف”، الأمر الذي ساعده على حشد الأنصار، والصمود في وجه جيوش السلطان ستّ سنوات متتابعة، خاصة بمنطقة الريف التي أنشأ بها قاعدة لمخزنه، وفق ما يورده جرمان عياش في كتابه “أصول حرب الريف”.

وساعد “فرنسيو الجزائر” الجيلاني متزعّم التمرّد في الحصول على السلاح والمعدات، حسَب المؤرخ عياش، الذي لفت إلى أن أفكار “بو حمارة” لم تعد تجد آذانا صاغية لدى الريفيين بعد عدم تجاوبه مع الدخول الفرنسي إلى مدينة وجدة عام 1907، وهي التي توجد على أبواب الريف، فكانت تلك أول ضربة تعرضت لها سلطته، ثم تلتها حوادث أكثر خطورة أتت في مقدمتها تنازله عن المناجم لصالح فرنسا وإسبانيا.

وقد أدت مبايعة السلطان عبد الحفيظ، بدل أخيه عبد العزيز، إلى تراجع نفوذ “بو حمارة” بالشمال الشرقي للمملكة، حيث تعرّض لـ”العصيان” من طرف العديد من القبائل، ثم اشتدّ عليه الخناق من طرف الجيوش السلطانية، بعد وقوف “المخزن” على قوته ونفوذه اللذين استفحل أمرهما وباتا ينذران بخطر كبير.

هكذا، دارت بين الجيوش السلطانية وجيوش “بو حمارة” العديد من الحروب والمناوشات والمطاردات التي غطّت أوقاتا من فترة ثورته التي امتدت من 1902 إلى 1909، قبل أن يتم إجهاضها في نهاية المطاف بعد القبض عليه، ليتم إعدامه رميا بالرصاص يوم 10 شتنبر 1909 بأمر من السلطان والباشا إدريس منو.

hespress.com