إصدار جديد يوقعه الأستاذ الجامعي الحسن بوقنطار يسعى إلى الإسهام في “متابعة جهود المغرب الرامية إلى الانخراط في الدينامية القانونية الكونية”، والإحاطة بـ”الصعوبات التي تتطلب إرادة وجهودا إضافية”، قصد “جعل انخراط المغرب في المشروع الديموقراطي الحداثي أمرا غير قابل للتراجع”.

ويروم مؤلف “المغرب والقانون الدولي”، الصادر حديثا عن مكتبة دار السلام بالرباط، فتح آفاق التوسع والنقاش في عدد من القضايا المتعلقة بتفاعلات المملكة مع القانون الدولي، دستوريا، وفي مبادرات له مثل “الحكم الذاتي”، وفي علاقته بالقانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي في علاقته بالهجرة، وعلاقة المملكة بالعدالة الجنائية الدولية، وما تبناه المغرب لمكافحة الإرهاب.

وفي ضبط مفاهيمي، يعرف الأستاذ الجامعي القانون الدولي بكونه “فعلا اجتماعيا دوليا، يتأثر بالتغيرات التي شهدها النظام الدولي، سواء على مستوى بروز فاعلين جدد ينافسون مركز الدولة، أو على مستوى الانشغالات التي أصبحت تستأثر بالاهتمام، والتي يوجد في صلبها الفرد بوصفه مركز الاهتمام”.

وتذكر مقدمة الكتاب بـ”التحولات التي عرفها المغرب والتي جعلته يخرج من جغرافيته القانونية الداخلية لينخرط في الجغرافية القانونية العالمية”، ابتداء من تسعينيات القرن العشرين، مرورا بحكومة التناوب، و”الطفرة التي رافقت تربع الملك محمد السادس على العرش”، والتي يقول إن “من تجلياتها البارزة تبني دستور جديد، هو دستور يوليوز 2011؛ الذي زكى هذا التوجه، من خلال إيلاء القانون الدولي حيزا أوسع بالمقارنة مع الدساتير السالفة”.

ووفق الورقة التقديمية للمؤلف الجديد، فإن فصله الأول يتمحور حول العلاقة بين دستور 2011 والقانون الدولي. ويناقش فيه بوقنطار ثلاث قضايا، ترتبط أولاها بـ”توسيع دسترة القانون الدولي”، كما يتجلى الأمر في الإشارات الواردة في تصدير الدستور، والأخرى المضمنة في بعض فصوله. وتتعلق القضية الثانية بـ”توسيع انخراط البرلمان في مراقبة المجال الاتفاقي”، حيث قد تم تفكيك الفصل 31 من الدساتير السابقة الذي ظل صامدا، والذي كان يختزل الممارسة الخارجية المغربية، وتم رفع عدد المعاهدات التي أصبحت تتطلب إذن البرلمان قصد المصادقة عليها من طرف الملك.

وحاول دستور 2011 في الإطار نفسه “تحديد مركز المعاهدات الدولية بالنسبة للقانون الداخلي”، وإن كان قد ربط ذلك “بشروط تعكس الرغبة في التوازن بين انخراط المغرب في المعيارية الكونية، مع احترام بعض الخصوصيات في الوقت نفسه، ولاسيما ما يتعلق بالهوية وبالدين الإسلامي”.

أما ثالثة القضايا المناقشة في الفصل الأول من الكتاب، فـ”تتعلق بالحسم في الخلاف الذي قد يترتب عن التزام دولي مع الدستور”؛ لأنه “على خلاف الدساتير السابقة التي اتسمت بالغموض، فإن الدستور أناط المحكمة الدستورية بالحسم في هذا التعارض”، وهو الأمر الذي يترتب عنه في حالة إقرارها بوجود “التعارض” عدم المصادقة على الالتزام الدولي، إلا بعد مراجعة الدستور.

ويخصص المؤلف فصله الثاني لـ”مبادرة الحكم الذاتي والقانون الدولي”، حيث قال، بعد تسجيله أن “القانون الدولي لا يقدم وصفة جاهزة للحكم الذاتي”، إن هذه المبادرة “شكلت منعطفا في ملف الوحدة الترابية (للمغرب)، اعتبارا لكونها شكلت مبادرة جدية وذات مصداقية، ولأنها استندت على مقتضيات متقدمة فيما يتعلق بالحكامة الترابية الجهوية؛ من شأنها أن تمكن ساكنة الصحراء من التعبير عن خصوصياتهم في ظل السيادة المغربية”.

ويكتب الأستاذ الجامعي أنه “رغم الجهود الجدية وذات المصداقية التي تم رصدها من طرف قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، فإن هذه المبادرة ما زالت تصطدم بمعارضة الجزائر وصنيعتها البوليزاريو، المتشبثة بمقاربة متصلبة، تبين استحالة تطبيقها على أرض الواقع”، مع تعبيره، في الآن نفسه، عن رؤيته أن “مجلس الأمن مطالب بتطوير مواقفه من خلال النص صراحة على اعتبار هذه المبادرة أساسا للتفاوض، بغية إرغام خصوم الوحدة الترابية على التفاوض بشأنها”.

ويتطرق المؤلف في الفصل الثالث من كتابه لـ”علاقة المغرب بالقانون الدولي لحقوق الإنسان”، قائلا إنه “من المواضيع الإشكالية، التي تشكل مؤشرا على مدى انخراط الدول في بناء ديمقراطية لا رجعة فيها”.

وبعد تسجيل “التجديدات الهائلة التي جاء بها دستور 2011، ومكونات المنظومة الوطنية لحقوق الإنسان”، عالج بوقنطار “مظاهر تفاعل المغرب مع الآليات الدولية لحقوق الإنسان”، ووقف عند “الإشكالات التي تواجه المغرب فيما يتعلق بآليات الاستعراض الشامل، التي تسمح للدول بشكل دوري باستعراض مدى تحقيق التزاماتها في هذا الشأن”، مبرزا مواضيع ما زالت مثار نقاش بالبلاد مثل التمييز ضد المرأة، والإجهاض، واحترام الحياة الخاصة للأفراد، وعقوبة الإعدام، وحرية الفكر والضمير، والاختفاء القسري.

واستعرض الكتاب في جميع هذه القضايا “منظور القانون الدولي لحقوق الإنسان، والعراقيل التي ما زالت تصطدم بها الممارسة المغربية لعدة اعتبارات ثقافية وسياسية ومجتمعية”.

ويقف الفصل الرابع عند التفاعل المغربي مع القانون الدولي الإنساني، من خلال مجالين؛ يتعلق أولهما بقانون العدل العسكري، الذي غير المحكمة العسكرية الخاصة بمحاكمة أفراد القوات المسلحة، حيث وضع حدا لطابعها الاستثنائي. ويرتبط ثانيهما بالقانون المتعلق بالضمانات الممنوحة لأفراد القوات المسلحة اعتبارا للخصوصيات التي يتمتع بها هؤلاء.

وخصص الكتاب فصله الخامس لعلاقة المغرب مع العدالة الجنائية الدولية، مستعرضا علاقة المغرب مع المحكمة الجنائية الدولية من خلال محاولة الإجابة عن السؤال المتعلق بعدم المصادقة على النظام الأساسي للمحكمة رغم التوقيع عليه، وكاشفا، على ضوء الدستور الحالي، وجود احتمالات التعارض بين النظام الأساسي والقانون المغربي، وهو ما ينصب على الحصانات، وحق العفو، وتقادم الجرائم، حيث يوجد في هذه القضايا تعارض قائم لا بد من معالجته من خلال صيغ مقترحة يمكن اختيار واحدة من بينها.

وحول ما يسمى بـ”الاختصاص الكوني” الذي تمارسه بعض المحاكم الدولية، يعالج المؤلف القضايا التي يطرحها، وخاصة طابعها الانتقائي، معتبرا أن المحاكم المغربية بدورها يمكن أن تنخرط في هذا الورش؛ لأن الأمر “يتعلق بجرائم كونية نظمتها مواثيق دولية انضم إليها المغرب، وتهدف إلى حماية الفرد كإنسان أينما كان”.

واستعرض الفصل السادس من المؤلف الإستراتيجية متعددة الأبعاد التي تبناها المغرب فيما يتعلق بمناهضة الإرهاب وكافة أشكال التطرف، قائلا إنه “استنادا على القرارات الدولية ذات الصلة، فقد مكنت المقاربة المغربية من إجهاض مئات المحاولات الرامية إلى زعزعة الطمأنينة والاستقرار، وكذا تفكيك عدد من الخلايا الإرهابية قبل تنفيذ مخططاتها الإجرامية”.

فيما عالج الفصل السابع، والأخير، من “المغرب والقانون الدولي” القضايا المرتبطة بالهجرة، مذكرا بما يشمله القانون الدولي في هذا المجال، مع استحضار ما أسماه بـ”المقاربة الجديدة التي سعت إلى أنسنة هذه الظاهرة واعتبارها مصدر غنى وتلاقح، بدل أن تكون ميدانا للعنصرية والتهميش”، وهي مقاربة يقول إنه “من الواضح اندراجها ضمن الرؤية الملكية الرامية إلى تبويء المغرب مكانة الريادة في فضائه الإفريقي”.

hespress.com