يعود الفنّان التشكيلي والنحّات المغربي ماحي بينبين بإبداعات جديدة، يضمّها معرض جديد افتتح بمسقط رأسه مراكش، ومن المرتقب أن يستمرّ حتى متمّ شهر مارس من السنة المقبلة.

وبعنوان “Horizon oblique” أو أفق مائل، يفتح هذا المعرض أبوابه برواق “Comptoir des mines” بالمدينة الحمراء.

ويتجدّد اللقاء في هذا المعرض بشخوص لوحات ومنحوتات بينبين، دون أن ينحصر بعضها في العالَم المقيّد، الذي لا يعكس سجن ضحيّته فقط، بل الذّاكرة الجمعيّة وتجربة العيش الإنسانيّ.

ومن بين المنحوتات المعروضة عمل يظهر فيه رهان على الحاجة إلى التعاون الواعي المثقّف، الذي يسند فيه الفرد الفردَ، ويبني الجماعة، ويساعدها، بشكل متبادل، على حفظ ذاتها، وتماسكها، واستمرارها في الوعي بذاتها ومحيطها، ولو اختلفت وجهة كلّ إنسان.

ويطبع لوحات أخرى، في هذا المعرض، جوّ مرعب، مؤلم، دام… حمرة قانية، ولا حضور إلا للرّماديّ والأسود، شخصيات منكسرة في حركة مستمرّة، نحو ذاتها، أو في تطلّع إلى السّماء، طلبا للفَرَج، ويحضر في بعضها الآخرُ المواسي، أو الآخر الذي يشارك المأساة، كما يحضر الآخر القاهِرُ الذي تطأ قدمه الرقاب، أو الذي ينظر من علٍ (باحتقار؟) إلى نظيره الإنسان. سلسلة من مآسي الإنسان التي لا مسبّب لها، من حيث المبدأ، إلا أخوه الإنسان، ولا مُنجي، له، منها إلّا هُو.

ونجد، طبعا، في أعمال معرض ماحي بينبين الجديد، الإنسانَ المسجون الذي تحصره، مع إخوانه، دائرة أو صندوق ضيّقان، يثبّتهما، ويعمل على استمرار قهرهِما أسراهُما! هي ذاكرتنا الجمعيّة، ومآسينا التي نسمح لها بأسرنا، وقهرنا، ونرفض تركها، بعدما ولّى زمن سطوتها، فنختار بالتالي أن نبقى سجناءها/ ضحاياها.

ومن بين لوحات هذا المعرض مقبرة أحياءٍ مكدَّسين، مكبَّلين، لا تحترم خصوصيّاتهم/ إنسانيّتهم، ومِن شدّة ما عاشوه صار القيد جزءا من ملامح بعضهم، ونجح في تصفية تفرّد آخرين بتكبيله لا أجسادهم فقط، بل شفاههم وأعينهم أيضا. في قلب هذا المشهد الجنائزيّ (جنازة إنسان؟) يلمح النّاظر مقصّا/ أداة تحرّر، لَم ينتبه إليه بعد الجسدان، المهيمنان على اللوحة، المفترشان آلام المجموعة المقيَّدة.

في عالَم بينبين الفنيّ ألم إنسانيّ بيّن، وقهر وتضامن بين النّاس، وصراع في سبيل التّحرّر، غير مظفَّر في مُجمله، من بين أدوات استدامته الإنسان المقهور ذاته.

لكن لا تخلو هذه الأعمال من جديد (أمل؟)، إذ يجد فيها النّاظر إشارات تراهن على الكتاب الثقافةِ، أي الوعيِ بالذّات عبر الآخر من أجل الوعي بالآخر انطلاقا منها، والتّعاطف بين بني البشر، والتّعاون الإنسانيّ الواعي ولو اختلفت الرّؤى، وأخرى من بينها ما لاحظه الكاتب رضا زيرك في نصّ تقديميّ ضُمِّنَ دليلَ هذا المعرض الفنيّ: “إرادة بعض الشّخصيّات الإنسانية في الخروج من الإطار”، دون أن يعني هذا تحرّرها مِن كلّ ما يقيّدها من إطارات.

hespress.com