“مخاض” سياسي كبير تشهده الجزائر مع اقتراب ذكرى الحراك الشعبي في ظل بروز تجاوزات حقوقية خطيرة فجرها الطالب وليد نكاش، الذي اعتُقل وعذّب داخل مركز تابع لجهاز الاستخبارات العسكرية؛ وهو ما ينذر باندلاع موجة جديدة من الاحتجاجات، لا سيما في ظل الأزمة الاقتصادية “الخانقة” وارتفاع معدلات البطالة في البلاد.

ويسعى النظام العسكري الحاكم في الجزائر إلى إجهاض أي محاولة للخروج إلى الشارع، باستخدام وسائل الترهيب والقمع واستغلال حالة الطوارئ الصحية لتوسيع دائرة التسلط وسجن الشباب العاطل؛ بينما يبدو أن هناك بوادر قوية لعودة الاحتجاجات إلى الشارع، بعد تبخر حلم الدولة المدنية، وعودة الحرس القديم إلى السلطة.

ويدعو محمد الطيار، الخبير في الشؤون الأمنية، إلى التمييز بين “النظام العسكري الحاكم في الجارة الشرقية والشّعب الجزائري “الشقيق”، على اعتبار أن تصرفات النّظام “المتسلّط” يعاني منها أيضا الشعب الجزائري وشعوب المنطقة، والمغرب كذلك، بحيث “إننا منذ أكثر من أربعين سنة ونحن في معارك متعدّدة للتّصدي لممارسات النظام العسكري”.

وقال الخبير في الشأن الإستراتيجي، في حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونية، بأن “هناك بوادر بدأت تلقي ملامح عودة الاحتجاجات بقوة بحلول ذكرى الحراك الشعبي المصادق لـ22 فبراير الجاري. وهذا الحراك سوف يأتي في ظرفية اقتصادية مزرية، وفي اشتداد الصراع داخل السلطة”.

واعتبر المحلل الأمني أن “خلال عام 2019 كان هناك صراع بين جناح قائد صالح وجناح “محمد مدين”، وقد تطوّر الصراع بشكل كبير بعد وفاة الجنرال “صالح” وعودة الحرس القديم. الذي كان مسؤولا عن مذابح العشرية السوداء التي راح ضحيتها أكثر من 200 ألف جزائري”.

ولفت المحلل الانتباه إلى أن “ذكرى الحراك تحل في ظرفية صعبة وحسّاسة أصبح فيها الاقتصاد الجزائري “مشلولا”، حيث إن الدّولة الجزائرية فقدت مكانتها في نادي منتجي الطاقة؛ بينما قام النظام العسكري برهن مستقبل الشّعب بشركة سوناطراك، حيث إن جل صادرات الجزائر منشقة من الطاقة والبترول. ولما نزلت أسعار الطاقة، تضرّر الشعب الجزائري”.

وعاد المحلل ذاته إلى بعض التفجيرات التي كانت من وراءها تنظيمات جزائرية مسلحة، خاصة أحداث عين أمناس عام 2013، حيث نفّرت شركاء أجانب عن الجزائر. وقد تبين للأجهزة الاستخباراتية الدولية، في ما بعد، أن الأمن الجزائري هو الذي فجر مركب للطاقة ومات عشرات الأجانب”.

وأقر الخبير بأن “الجزائر تملك 2000 كلم من السّواحل بينما لا يستطيع الجزائريون تناول “السردين” نتيجة ضعف بنية الصّيد والبواخر المهترئة. كما أن بعض أنواع السمك منعدمة في السوق الجزائرية، والحال نفسه بالنسبة للخضروات فهي منعدمة، حيث هناك طوابير طويلة للحصول على “كيلو” من البطاطس.

وعلى الرغم من هذه الأزمة المستفحلة، يقول الطيار، فإن “الجيش يخصص ميزانية ضخمة للتسلح، حيث قام برفع ميزانية الدفاع لتصل إلى 10.57 مليارا، وهي الأعلى في إفريقيا، مبرزا أن “الشعب الجزائري، وفي إطار استعداده لتخليد ذكرى الحراك، سيكون أمام انهيار كبير للاقتصاد الجزائري واستمرار النظام في صرف أموال كبيرة في السلاح والابتعاد عن المشاريع التنموية”.

وشدد على أن “النظام العسكري، وبعد رجوع مجموعة من الحرس القديم (خالد نزار واللواء محمد مدين)، سيحاول التصدي لأي محاولة للتغيير، مع إنتاج مجموعة من المخاطر للاستفادة منها؛ من قبيل استغلال الجماعات الارهابية التي خرجت من مقر المخابرات الجزائرية، بحيث إن هناك زعماء متطرفين استفادوا من قانون المصالحة يتجولون في الشارع الجزائري، على الرغم من أنهم قتلوا عددا كبيرا من المواطنين الأبرياء”.

واسترسل الخبير: “الجزائر لم تعد قادرة على مراقبة الحدود الشاسعة الجنوب الجزائري أصبح مكانا لتهريب الكوكايين العديد من الجنرالات متورطين في هذه العمليات، كالجنرال كمال عبد الرحمان وقادة النواحي العسكرية المتورطين في الاتجار بالكوكايين”.

وقال المتحدث ذاته بأن الصراع حول الصحراء يضيّع سبل التنمية والازدهار في المنطقة، بينما يأتي الحراك في وقت أصبح الشّعب يطرح أسئلة من قبيل: “لماذا يقوم النظام الجزائري بتبذير مدخرات الشعب ويقوم باستعمالها في معركة خاسرة منذ أكثر من 40 سنة؟”، مبرزا أن “وزارة الخارجية الجزائرية هي حقيقة وزارة “البوليساريو”، بحيث إن جميع البيانات التي تصدرها تتطرق إلى المغرب”.

وصرّح الطيار بأن “الشعب الجزائري مقبل على معركة كبرى؛ لأن المجموعة التي التفت حول نتائج الانتخابات في بداية التسعينيات، والتي أدخلت الجزائر في دوامة من الصراع، هي نفسها التي تسيطر على السلطة في الجزائر، حيث إن “شنقريحة وتبون لا يتحكمان في السلطة، ولما ينتصر جناح داخل النظام العسكري لا يلبث أن ينقسم إلى قسمين وتنطلق المحاكمات والتصفيات”.

واستطرد الخبير: “لما يصرح شنقريحة وباقي الجنرالات أمام كاميرا الآلة الإعلامية الجزائرية بأن المغرب هو العدو الرئيس للجزائر، وأن الجيش الشعبي قوي، فإنهم بقولهم هذا، ربّما يجهلون معايير قوة الدولة، التي لا تقتصر على عدد العتاد العسكري الذي تملكه، بل هناك محددات أخرى متفق عليها خاصة وأننا نعيش جيل خامس للحروب؛ فالجزائر ضعيفة استنادا لهذه المعايير، وتفتقر إلى إرادة سياسية وإلى تخطيط إستراتيجي والشعب يعيش ضغطا وانعدام حرية ويعاني في فقر”.

hespress.com