بعد مُضيّ شهرين ونصف الشهر على انطلاقة عمليات التطعيم ضد فيروس “سارس كوف-2″، ما زالت الجائحة تثيرُ قلقاً متزايداً لدى الأوساط الصحية، نظرا إلى محدودية التعاون العلمي في ما يتعلق بمشاركة بيانات تصنيع اللقاحات، ومرد ذلك إلى رفض شركات الأدوية نقل تكنولوجيا اللقاحات لتدعيم قدرات الإنتاج العالمية.

ومن بين ملايين حقن اللقاح التي أُعطيت حتى الآن، تتركز نحو 95 بالمائة من حملات التطعيم في عشرة بلدان فقط، تستأثر بقرابة 60 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وفق منشور إعلامي صادر عن منظمة الصحة العالمية، التي لفتت الانتباه إلى تأخر عملية التلقيح في 130 بلدا إلى حدود العاشر من فبراير الجاري.

وبالنسبة إلى تمام العودات، نائب المدير التنفيذي لحملة توفير الأدوية الأساسية في منظمة “أطباء بلا حدود”، فإن الشفافية غائبة بشأن صناعة اللقاحات الراهنة، اعتبارا للبنود السرية التي تحكُم العقود التجارية بين شركات الأدوية والحكومات الوطنية، والضبابية التي تطالُ أسعار الإنتاج والتوريد.

ودفع تعثر الجداول الزمنية لتوزيع اللقاحات نتيجة قلة فرص الولوج إليها مجموعةً من البلدان إلى الانخراط في حملة عالمية، قادتها كل من الهند وجنوب إفريقيا، قصد التنازل عن حقوق الملكية الفكرية خلال فترة جائحة “كورونا”، ما سيُمكّن من الإتاحة المنصفة للقاحات على الصعيد العالمي.

إبطال الملكية الفكرية فيما يرتبط باللقاحات الحالية غير كافٍ، حسَب العودات، الذي أكد في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية أن الحل الأمثل لتقليص تبعات الجائحة، “يكمن في تقاسم بيانات التصنيع”، مرجعا ذلك إلى تعقيد المركبات الكيميائية للقاحات المضادة لـ”كوفيد-19″، بخلاف اللقاحات السابقة التي أُنتجت قبل عقود.

وأوضح الطبيب السوري الخبير في الصحة العامة أن اللقاحات لن تكون بأسعار “منطقية” ما لم يتم تصنيعها على نطاق واسع، نظرا إلى القدرة التصنيعية الضعيفة في الظرفية الحالية، مشيرا كذلك إلى أنه لا توجد “حتمية” بتوفير اللقاحات لجميع الأفراد في العالم في ظل المعطيات المتوفرة.

ويُشكل غياب البيانات عائقا دون توريد اللقاحات في الوقت اللازم، وهي الثغرة التي طالبت لجنة الطوارئ المعنية بـ”كوفيد-19″ داخل منظمة الصحة العالمية بسدّها في أقرب وقت ممكن، حيث شجعت مصنّعي اللقاحات على توفير بيانات المأمونية والنجاعة لإدراج لقاحاتها في قائمة المنظمة للمنتجات المأذون باستخدامها في حالات الطوارئ.

تسريع وتيرة إنتاج اللقاحات المضادة لـ”كوفيد-19″ خلال فترة وجيزة بات محل تساؤل كبير من طرف الرأي العام الدولي، وهو ما يُغذّي نظرية المؤامرة لدى شرائح مجتمعية معينة، لكن العودات يرى أن العامل الأساسي وراء نجاح شركات الأدوية في صناعة “لقاحات كورونا” خلال أقل من سنة، بعكس اللقاحات الأخرى التي تطلب بعضها أزيد من 10 سنوات، يتمثل في استثمار ميزانية ضخمة قياسية بلغت 20 مليار دولار.

وقد استثمرت جامعة أكسفورد، التي طورت لقاح “أسترازينيكا” البريطاني، ملياريْ دولار منذ بداية الجائحة، فيما استعدّت لأي جوائح مستقبلية منذ عام 2016 من خلال عقد اتفاق بينها والمشرّعين القانونيين والممولين والمصنّعين، قصد تجهيز عينة كبيرة من المتطوعين للمشاركة في التجارب السريرية في حال ظهور أي فيروس فتّاك، ما يفسّر “السرعة القياسية” أثناء تصنيع اللقاح.

وتنص الاتفاقية الدولية المتعلقة بجوانب حقوق الملكية الفكرية المتعلقة بالتجارة (تريبس) على إجبارية احترام حقوق الملكية الفكرية من لدن كل بلدان العالم، بغية تفادي إمكانية الحصول عليها مجانا في ظل المنافسة الكبيرة بين الشركات الأجنبية في شتى مجالات الحياة العامة.

ودعت كثيرٌ من المنظمات والهيئات العالمية المعنية بالشأن الصحي إلى تخفيف قيود الملكية الفكرية ذات الصلة بـ”لقاحات كورونا”، استحضاراً للسلالات الناشئة لفيروس “سارس كوف-2” المسببة لمرض “كوفيد-19″، منبهة إلى تعثّر بلوغ هدف المناعة الجماعية المنشود خلال عام 2021 في ظل الوتيرة الحالية لتصنيع اللقاحات.

hespress.com