تقديم

نظرا لما يشكله موضوع مذكرات البحث من أهمية قانونية وحقوقية تمس حريات الأفراد، أصدر السيد رئيس النيابة العامة دورية تحت عدد 11/ س / ر ن ع بتاريخ 12 – 04 – 2021 حول تدبير برقيات البحث تحث ممثلي النيابات العامة بمختلف المحاكم على ترشيد اللجوء إلى إصدار برقيات بحث.

كما سبق لرئاسة النيابة العامة أن أولت موضوع تحرير مذكرة البحث أهمية بالغة عندما حثت النيابات العامة على ضرورة التحري والتدقيق في ملفات الإكراه البدني والتأكد من سلامة الإجراءات المتخذة فيها، قبل توجيه تعليماتها إلى الضابطة القضائية المختصة لتحرير برقيات البحث في أن الأشخاص الصادر بحقهم أوامر بإلقاء القبض وإيداعهم السجن.

ونظرا للأهمية القصوى لموضوع برقيات البحث ارتأيت التطرق إليه من الناحية العملية مساهمة مني في نشر المعلومة القانونية من جهة، ولفتح باب النقاش حول ما يمكن أن يتم اقتراحه مستقبلا لتنظيم الموضوع من الناحية التشريعية من جهة أخرى، خاصة أن قانون الإجراءات الجنائية المغربي لم يخصص له فرعا معينا.

فبمناسبة الأبحاث التي تباشرها الضابطة القضائية تلقائيا استنادا إلى الفصل 21 من قانون المسطرة الجنائية التي يستقبل فيها ضابط الشرطة القضائية الشكاية ويفتح بشأنها بحثا تحت إشراف النيابة العامة، وكذلك في الأبحاث التي تضع يدها عليها بمناسبة تعليمات كتابية أو شفاهية من النيابة العامة المختصة، تستدعي الضابطة القضائية الأطراف المشتكى بها أو المشتبه فيها أو تنتقل لضبطها في مكان تواجدها ومرافقتها إلى مقر المصلحة للاستماع إليها، كما أنها قد تلجأ في حالة الجرائم المتعلقة بالحق العام إلى محاولة ضبط مرتكبي الجرائم متلبسين بالجرم المشهود.

لكن قد تطرأ حالات يتعذر فيها على الضابطة القضائية الاستماع إلى الأطراف المشتكى بها أو المشتبه فيها وكذا هؤلاء الأشخاص الذين حاولت ضبطهم في حالة تلبس، وذلك بسبب عدم امتثالهم للاستدعاءات الموجهة إليهم،

وكذا بسبب فرارهم من مكان تواجدهم أثناء محاولة إيقافهم.

فكيف تتعامل النيابات العامة والضابطة القضائية إذن مع هذه الحالات خاصة أن العديد من الأشخاص لا يمتثلون تلقائيا وعن طواعية للحضور إلى المصالح المختلفة للضابطة القضائية لإتمام الأبحاث الجارية في مواجهتهم؟.

إن الحل العملي لإجبار الأشخاص الرافضين للمثول أمام المصالح المكلفة بالاستماع إليهم ومباشرة الأبحاث والتحقيقات معهم بعدما تم استنفاد جميع الوسائل القانونية لحثهم على الحضور، هو إنجاز مذكرات وبرقيات بحث في مواجهتهم حتى يتسنى للسلطات المختصة ضبطهم في أي مكان يظهرون أو يتواجدون به، وإن كان بعيدا عن مكان إقامتهم وكذا عن المكان الذي ارتكبوا فيه جرائمهم والأفعال موضوع البحث الجاري بشأنها.

إلا أن اللجوء إلى تحرير مذكرات بحث في مواجهة الأشخاص قد لا يخلو من مشاكل وآثار سلبية بالنسبة لهؤلاء، إذ يجعلهم عرضة للإيقاف وإلقاء القبض في كل لحظة، ما قد يعرقل السير العادي لحياتهم ويعرض حرياتهم وتنقلاتهم للخطر، وهو الأمر الذي تتفهمه النيابة العامة المختصة جيدا باعتبارها تبقى المسؤولة الأولى عن الإشراف على عمل الضابطة القضائية وضبط عملها، خاصة في ما يتعلق بإصدار مذكرات بحث في حق بعض المشتكى بهم والمشتبه في ارتكابهم لبعض الجرائم، وكذا الأشخاص الفارين من الإيقاف في حالة التلبس.

وكعادتي عند الحديث عن بعض المواضيع القانونية، لن أتعمق ولن أفصل كثيرا في النظريات، وسأتناول الموضوع من الناحية العملية حتى تصل المعلومة بسلاسة من جهة، وحتى يتضح للقارئ والمتلقي بشكل جلي الجانب العملي المتعلق بمذكرات البحث وما تثيره من إشكاليات مختلفة، فمتى يا ترى يتم اللجوء إلى إصدار مذكرة بحث في حق الأشخاص؟ وقبل ذلك ما هي أنواع مذكرات البحث التي يمكن أن تصدر في حق الأشخاص؟.

أولا: أنواع مذكرات البحث:

1 – مذكرة البحث المحلية:

جرى عمل الضابطة القضائية سابقا على إصدار مذكرات بحث دأبت على تسميتها بالمحلية، والتي كانت ترفقها بالمحاضر التي ترجعها على النيابة العامة بعد بحث سلبي في مواجهة بعض الأشخاص.

وعادة ما كان ذلك النوع من المذكرات يحرر في حق أشخاص مجهولي الهوية أو تكون هويتهم غير مضبوطة وغير كاملة أو أن الإشارة إليهم تكون باللقب

فقط.

إلا أنه صدرت مؤخرا تعليمات نيابية بعدم الاعتماد على مذكرات البحث المحلية لعدم جدواها وفعاليتها، فمن جهة لا تكون تلك البرقيات دقيقة بما فيه الكفاية، كما أنه من جهة أخرى لا يمتد مفعولها إلى خارج دائرة نفوذ الضابطة القضائية التي أصدرتها، في الوقت الذي قد يفر فيه الفاعل أو المشتبه فيه أو المشتكى به إلى خارج تلك الدائرة القضائية إلى حين تقادم الفعل الجرمي ثم يعود إليها، ما يتيح له التملص من مسؤوليته القانونية المترتبة عن أفعاله الجرمية بعد فراره المؤقت من العدالة.

2 – مذكرة البحث الوطنية:

عندما يقتضي الأمر تحرير برقية بحث على الصعيد الوطني في حق أحد الأشخاص فإنها تستوجب مجموعة من الشروط، لعل أبرزها أن تكون هوية المعني بالأمر مضبوطة بما فيه الكفاية. ومن الأفضل أن يتم التحري والتقصي عنها وتضمين رقم البطاقة الوطنية للتعريف الخاصة بالمبحوث عنه إذا كان ذلك ممكنا، وذلك لتفادي وقوع أي خطأ أو تشابه في الأسماء والألقاب عند ضبط الأشخاص والتحقق من هوياتهم وإيقافهم إن اقتضى الحال.

وتخول برقية البحث المحررة على الصعيد الوطني لجميع عناصر الضابطة القضائية والقوة العمومية ومراكز الحدود والجمارك ضبط الأشخاص المبحوث عنهم في مجموع التراب الوطني، وذلك بمناسبة المراقبات الثابتة في تلك المراكز أو بمناسبة المراقبات الدورية في بعض الأماكن مثل الفنادق ودور الضيافة، أو عندما يتقدم المبحوث عنهم إلى بعض مراكز الشرطة أو الدرك وغيرها، لإنجاز بعض الأغراض أو الحصول على بعض الوثائق الإدارية، وكذا عند التحقق من هوية المواطنين بالشارع العام في بعض المناسبات وطبقا للقانون، أو عند استعمال أو سياقة وسائل النقل ومراقبة الوثائق أو ارتكاب بعض مخالفات السير.

3 – مذكرة البحث الدولية:

ونجد مثالا لها في المادتين 40 و49 من قانون المسطرة الجنائية، إذ:

“منح هذا القانون لوكيل الملك وللوكيل العام للملك الصلاحية لإصدار أوامر دولية بالبحث وإلقاء القبض لتطبيق مسطرة تسليم المجرمين”.

“ولقد كانت هذه النقطة تشكل عائقاً أمام النيابة العامة يحول دون أدائها لدورها كاملاً في محاربة الجريمة إذا غادر مرتكبوها التراب الوطني.

وفي القضايا الجنحية التي لا يمكن عرضها على قاضي التحقيق لإصدار مثل هذا الأمر، فإن الجناة والمشتبه فيهم يظلون بمنأى عن يد القضاء المغربي بسبب عدم إمكانية نشر الأوامر بإلقاء القبض التي تصدرها النيابة العامة في حقهم على الصعيد الدولي، نظراً لعدم وجود نص صريح يمنحها حق إصدار هذه الأوامر.

ويتوخى قانون المسطرة الجنائية من هذا المقتضى الذي تضمنته المادتان 40 و49 تحقيق الفعالية اللازمة للعدالة الجنائية”.

– مقتطف من ديباجة قانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية –

ثانيا:متى يتم اللجوء إلى إصدار مذكرة بحث في حق الأشخاص؟

1 – في حالة البحث التمهيدي:

يعتقد الكثيرون أنه من السهل إصدار مذكرة بحث في حق كل شخص امتنع أو تعنت بدون موجب عن الحضور أمام الضابطة القضائية المختصة للاستماع إليه بموجب بحث تمهيدي جار في مواجهته، بناء على شكاية موجهة ضده بشأن ارتكابه أحد الأفعال المعتبرة جريمة في نظر القانون.

إلا أن الواقع العملي يقول بخلاف ذلك، فلا يمكن بداية إصدار مذكرة بحث في حق المشتكى به أو المظنون ارتكابه للجريمة لمجرد عدم تمكن الضابطة القضائية من الاستماع إليه، فلا بد لتحقيق ذلك من عدة شروط ومن القيام بعدة إجراءات تهدف إلى التوصل إلى مكان تواجد المعني بالأمر، بدءا من استدعائه بمكان سكانه أو مقر عمله ثم التأكد من هويته الكاملة والمضبوطة وعدم الاقتصار على مجرد اللقب أو الكنية لما قد يشكل من تشابه في الألقاب وتضييق على الحريات ثم الاستشارة مع النيابة العامة.

فعادة تكون الضابطة القضائية على اتصال متواصل مع النيابة العامة المشرفة على البحث الجنائي، فتخبرها إما كتابة أو هاتفيا بأنه تعذر إتمام البحث لعلل مختلفة ومتنوعة تتعلق بالمشتكى به أو المشتبه، فيه فنكون أمام الحالات التالية:

المعني بالأمر لا يتواجد بعنوانه، ورغم التحريات تعذر الحصول على عنوانه الجديد أو مكان تواجده.

تم إخباره بالحضور أمام الضابطة القضائية، لكنه تخلف عن ذلك بدون مبرر مقبول.

ففي هذه الحالة تعطي النيابة العامة تعليماته بتبليغ الاستدعاء إلى المعني بالأمر وإرفاق وصل التسليم بالمحضر، كما قد تلزم الضابط المختص بإنجاز محضر انتقال إلى عنوان المعني بالأمر بقصد إشعاره بضرورة المثول أمام الضابطة للاستماع إليه مع التحري في نفس الوقت حول الهوية الحقيقية الكاملة للمعني بالأمر وضبطها بدقة.

وفي هذه الحالة، إذا كان الأمر يتعلق بمسطرة تواجهية أساسها شكاية المتضرر، تخبر النيابة العامة الضابطة المختصة بإشعار المشتكي والتأكد مما إذا كان يتوفر على عنوان جديد خاص بالمعني بالمشتكى، فإذا تعذر عليه ذلك، تحيل الأمر على النيابة العامة، ملتمسة تعليماتها في الموضوع، ولا يمكن لها بأي حال من الأحوال إصدار مذكرة بحث بصفة تلقائية في حق المعني بالأمر مادام الأمر لا يتعلق بحالة التلبس.

وفي مثل هذه الحالات يدرس ممثل النيابة العامة المحضر المحال عليه، فيتأكد أولا من قيام عناصر الفعل الجرمي الذي يجب أن يكون معاقبا عليه بعقوبة حبسية، وكذا مدى خطورته، ومن توافر وسائل إثبات وإقناع كافية قبل اتخاذ قراره الحاسم بحفظ القضية مؤقتا على حين إتمام البحث مع إرجاع نسخة من المحضر مرفقة بتعليمات كتابية بتحرير مذكرة بحث في حق المعني بالأمر، مع ضرورة موافاة النيابة العامة بمراجع تلك المذكرة حتى تتمكن من مراقبة الأشخاص الصادر في حقهم برقيات بحث، وحتى يمكن لها مراقبة تقادم الأفعال الجرمية واتخاذ إجراءات قانونية لقطع التقادم؛ ولعل من أهمها إحالة الوقائع على قاضي التحقيق، وهو الإجراء الذي تعتبره المادة السادسة من قانون المسطرة الجنائية المغربي قاطعا للتقادم بصفة صريحة.

2 – في حالة التلبس:

بالنسبة للجرائم المشهودة، والتي يتم ضبط الفاعلين متلبسين بارتكابها، مثل جرائم مسك المخدرات والاتجار بها، أو في الحالة التي يعاين فيها ضابط الشرطة القضائية واقعة اعتداء شخص على آخر أو ارتكابه أحد الأفعال المعاقب عليها قانونا، إلا أنهم يلوذون بالفرار من قبضة القوة العمومية وعناصر الضابطة القضائية ولا يمتثلون لأوامرها بالتوقف وتسليم أنفسهم، فعادة ما تتحرى الضابطة القضائية عن الهوية الكاملة للمعنيين بالأمر، وتصدر برقية بحث في مواجهتهم، وتخبر النيابة العامة بالأمر في حالة تعلق الأمر بمسطرة تواجهية يوجد بها ضحية أو أكثر، بعدما تحيل عليها محضر ومسطرة جزئية تضمن فيها تصريح الطرف المشتكي وكذا ملخص الوقائع والمعاينات والتحريات والإجراءات التي قامت بها، وتشير إلى كون الفاعلين يوجدون في حالة فرار، وأنها حررت في مواجهتهم مذكرات بحث ترفق نسخة بمراجعها بالمحضر.

وفي هذه الحالة تتخذ النيابة العامة قرارا بحفظ القضية إلى حين إلقاء القبض على المعني بالأمر وتشعر الطرف المشتكي بذلك، مع إرجاع نسخة إلى الضابطة القضائية لتفعيل مذكرة البحث والإدلاء بمراجعها في حالة عدم القيام بذلك مسبقا.

كما قد يتم ضبط بعض الأشخاص في حالة تلبس ويتم البحث معهم، فيعترفوا بوجود فاعلين آخرين ومشاركين ومساهمين معهم في ارتكاب نفس الأفعال أو أفعال أخرى كالمزودين بالمخدرات على سبيل المثال، وأنه بعد تكثيف البحث والتحري والبحث عن المعنيين بالأمر يتعذر التوصل إليهم، فتقرر الضابطة القضائية تحرير مذكرة بحث في حقهم في حالة وجود وسائل إثبات كافية تفيد ارتكابهم للأفعال المنسوبة إليهم، وذلك بعد ضبط هوياتهم الكاملة، وتشعر النيابة العامة بذلك بعد إحالة المحاضر المنجزة في الموضوع وتقديم الأشخاص الذين تم ضبطهم وصرحوا بوجود فاعلين آخرين أمامها.

وتجدر الإشارة إلى أنه نظرا لخطورة موضوع مذكرات البحث وأثرها على الحد من حريات الأشخاص، وتفاديا لتحرير برقيات بحث بكيفية تلقائية من طرف الضابطة القضائية، فإنه حتى في حالة الجرائم التي تتسم بنوع من الخطورة أيضا يعمل ممثلو النيابات العامة بمختلف المحاكم استشعارا لدورهم الحيوي في حماية الحقوق والحريات على إعطاء تعليمات حازمة للضابطة القضائية للرجوع إلى النيابة العامة قبل تحرير تلك المذكرات، وذلك بإحالة نسخة من المحضر الذي يتضمن ملخصا عن الوقائع وطلبا في الموضوع بعد ضبط الهوية الكاملة للمعني أو المعنيين بالأمر، وهو الأمر الذي أصبحت تمتثل إليه وتنتهجه الضابطة القضائية تحقيقا للغاية الفضلى، وهي ترشيد العمل بإصدار مذكرات بحث تستند على أساس قانوني وواقعي سليم.

3 – في ما يخص بعض أنواع الجرائم:

هناك بعض الجرائم التي ينطلق البحث بشأنها من النيابة العامة بعدما يتقدم الطرف المشتكي بشكاية مرفقة بمجموعة من المستندات التي تعتبر بمثابة وسائل إثبات قانونية للأفعال الجرمية موضوع الشكاية، كجرائم عدم توفير مؤونة شيك، وإهمال الأسرة، وخاصة حالة الإمساك العمدي عن أداء واجب النفقة المحددة قانونا، وتبديد محجوز.

فبالنسبة لهذا النوع من الجرائم يكون الفعل الجرمي قائما مبدئيا من خلال الوثائق المدلى بها إلى أن يدلي المشتكى به بما يفيد تحلله من ذلك الالتزام، أو بدفع جدي يفيد خلاف ما ظهر بتلك الوثائق، ما يجعل النيابات العامة تخط مسبقا تعليمات إلى الضابطة القضائية بإجراء الأبحاث اللازمة والاستماع إلى المعني في الموضوع مع منحه المهل والآجال القانونية للأداء – كما هو الحال بالنسبة لجنحة إهمال الأسرة – وفي حالة تعذر الأداء أو الإدلاء بما يفيد بخلو ذمته، أو تخلفه عن المثول أمام الضابطة القضائية بدون مبرر مقبول، تحثها على تحرير مذكرة بحث في حقه على الصعيد الوطني وموافاتها بما يفيد ذلك.

ثالثا:حالات تطبيقية وعملية:

1 * في العديد من الحالات تعطي النيابة العامة تعليماتها للضابطة القضائية بتقديم المشتكى به أو المشتبه به في ارتكاب الجريمة أمامها في حالة سراح بعدما تتأكد بالتنسيق مع الضابط المكلف من توافر ضمانات كافية لعدم فرار المعني بالأمر من العدالة.

لكن قد يقع عمليا أن لا يمتثل المطلوب في التقديم لتعليمات النيابة العامة فيتخلف عن الحضور في التاريخ المعلوم بدون عذر مشروع ولا موجب قانوني رغم إشعاره بذلك بكيفية قانونية.

وفي مثل هذه الحالات قد تصدر النيابة العامة حسب خطورة الفعل الجرمي المرتكب ووسائل الإثبات المضمنة بالمحضر تعليمات إلى الضابطة القضائية بتحرير مذكرة بحث في حق المعني بالأمر، لكونه لم تعد تتوفر فيه تلك الضمانات التي جعلتها تأمر بتقديمه في حالة سراح، وقد تضيف إليها تعليمات إضافية بوضعه رهن تدبير الحراسة النظرية، اللهم في حالة ظهور مستجد في الموضوع، إلا أنها عمليا غالبا ما تكتفي بقرار تحرير برقية بحث في حقه وربط الاتصال فور إيقافه لتلقي التعليمات المناسبة.

2 * هل يوضع الشخص المبحوث عنه تلقائيا رهن تدبير الحراسة النظرية؟

يختلف الأمر في الجواب عن هذا السؤال حسب الحالة التي أنجزت في حق المعني بالأمر مذكرة بحث:

أ -ففي الحالة السابقة التي تعطي النيابة العامة تعليماتها بتحرير مذكرة بحث في حق المعني بالأمر الذي تخلف عن الحضور أمامها في حالة سراح بناء على تعليمات نيابية، وفي حالة عدم وجود تعليمات صريحة بوضعه رهن تدبير الحراسة النظرية، فإنه يتم ربط الاتصال بالنيابة العامة وإشعارها بأمر إيقاف المعني بالأمر، وفي حالة عدم ظهور جديد في الموضوع، تعطي تعليماتها بالاحتفاظ به رهن التدبير المذكور وتقديمه أمامها، اللهم إذا كان الفعل الجرمي قد طاله التقادم، إذ تأمر حينئذ بإحالة الملف عليها على شكل معلومات قضائية مع إلغاء مذكرة البحث.

وعادة ما يكون التقديم بعد وضع المعني بالأمر رهن تدبير الحراسة النظرية في اليوم الموالي لتاريخ الإيقاف، خاصة أن المسطرة تكون مستوفية لجميع إجراءات البحث في وقت سابق.

ب – أما في باقي الحالات التي تكون فيها برقية البحث قد تم إنجازها إما لتخلف المبحوث عنه للحضور أمام الضابطة القضائية للبحث معه أو في حالة التلبس بالجريمة وفراره عقب ارتكابها، أو لكون شكل موضوع بحث بموجب مساطر مرجعية، أو في الحالات المتعلقة بالجرائم الخاصة التي يكون ارتكابها ثابتا بواسطة الوثائق والمستندات كجرائم إهمال الأسرة وغيرها مما سبقت الإشارة إليه في هذا البحث، فإنه يتم ربط الاتصال بالنيابة العامة لتلقي التعليمات المناسبة في كل حالة على حدة. وباستثناء حالتي تقادم الفعل الجرمي أو وقوع صلح أو تناول في الموضوع، والتي غالبا ما تعطي النيابة العامة حينها تعليمات بإحالة المحضر على شكل معلومات قضائية مع إلغاء برقية البحث، فإن الحكم العام الذي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار هو أن المعني بالأمر وإن كان يشكل موضوع مذكرة البحث فإن ذلك لا يعني بالضرورة وضعه رهن تدبير الحراسة النظرية.. ولابد من التأكد أولا من مدى وجود مبررات كافية لذلك، بدءا من عدم إثباته وإدلائه بكونه لم يتخلف عن الحضور بدون عذر كأن يدلي مثلا بأنه لم يكن يقطن بالعنوان الذي أدلى به المشتكي أو أنه غيره قبل فتح بحث في مواجهته، وأنه لم يتم إشعاره نهائيا باستدعاءات الضابطة القضائية أو أنه كان مسافرا وغائبا لعذر مقبول قبل تقديم شكاية في مواجهته، وانتهاء بضرورة قيام وسائل إثبات كافية تفيد ارتكابه للأفعال المنسوبة إليه وأنها مازالت تشكل خطرا على الغير بصفة عامة وعلى المجتمع بصفة عامة.

وهذا ما تضمنته أيضا الدورية الأخيرة لرئيس النيابة العامة التي دعت إلى:

“التريث في معالجة قضايا الأشخاص المبحوث عنهم الذين يتم ضبطهم، وعدم اللجوء إلى إخضاعهم للحراسة النظرية ما لم تقض ظروف البحث وضروراته ذلك”.

ولذلك قد تلجأ النيابات العامة في حالة إنكار المستمع إليهم ما نسب إليهم وعدم وجود وسائل إثبات كافية في مواجهتهم إلى إعطاء تعليمات بتقديمهم أمامها في حالة سراح، مع أخذ الضمانات الكافية لالتزامهم بالتقيد بتلك التعليمات، كسحب جواز السفر وإغلاق الحدود مثلا في الحالة التي يتيح فيها القانون ذلك. وتبقى في تلك الحالة مذكرة البحث الصادرة في حق المعني بالأمر أكبر ضمانة لحضوره أمام النيابة العامة المختصة، إذ عادة ما لا يتم إلغاؤها إلا بعدما ينتهي البحث وتتخذ النيابة العامة قرارها بشأن وضعية المعني بالأمر.

رابعا: حالات الأوامر بإلقاء القبض:

* قضايا الإكراه البدني:

بعدما تتوصل النيابة العامة بطلبات الإكراه البدني، سواء تعلق الأمر بديون خصوصية أو عمومية، تقوم بدراستها، وعندما تتأكد من عدم تقادم العقوبات والغرامات أو التعويضات المدنية، ومن توافر كافة الوثائق المطلوبة، تحيل الملف على قاضي تطبيق العقوبات، وفي حالة صدور قرار من الأخير بالموافقة بتطبيق الإكراه البدني، تصدر النيابة العامة بعد ذلك، بعد تأكدها من سلامة الإجراءات القانونية المتخذة في الملف وعدم وجود أي موانع قانونية، أوامر بإلقاء القبض في مواجهة المطلوب في الإكراه وتحيلها على الفرقة الإدارية المختصة بالشرطة القضائية أو على مراكز الدرك الملكي بقصد السهر على تنفيذها.

وعندما يتعذر تنفيذ تلك الأوامر بموجب واقعي وقانوني ترجع الضابطة القضائية ملفات الإكراه البدني إلى النيابة العامة التي تعطي تعليمات تبعا لذلك بتحرير مذكرات بحث على الصعيد الوطني في مواجهة المطلوبين في الإكراه البدني.

وعلاقة بالموضوع فقد طلبت رئاسة النيابة العامة من ممثلي النيابة العامة المختصة بواسطة مجموعة من الدوريات أهمها عددي 9 س / ر ن ع بتاريخ 08-02-2018 و12 س / ر ن ع بتاريخ 28-02-2018، التأكد من سلامة الإجراءات المتخذة في طلبات الإكراه البدني عموما وفي مخالفات السير على وجه الخصوص، بما في ذلك التحقق من موافقة قاضي تطبيق العقوبات ووجوب تبليغ المدينين بصفة قانونية قبل مباشرة الإكراه البدني، مع إعادة دراسة جميع ملفات الإكراه البدني المفتوحة بالنيابات العامة للتأكد من احترام الشروط القانونية، وكذا إلغاء جميع أوامر الاعتقال وإلغاء برقيات البحث المحررة بشأن طلبات الإكراه البدني المتعلقة بغرامات قد طالها التقادم، وهو الأمر الذي أتى أكله ونتج عنه إلغاء الآلاف من مذكرات البحث بسبب تقادم العقوبة أو بسبب عدم استيفاء الشروط القانونية لتطبيق الإكراه البدني.

خامسا: إلغاء مذكرة البحث:

من الناحية القانونية، يجب أن تلغى جميع مذكرات البحث الصادرة في حق الأشخاص بمجرد إيقافهم وإتمام البحث معهم وتقديمهم إلى العدالة، حتى لا تبقى قائمة في مواجهتهم معرقلة لحرياتهم وتنقلاتهم، مع ما يمكن أن يترتب عن ذلك من آثار سلبية على نفسياتهم، وفي بعض الأحيان حرمانهم من السفر وتضييع فرص عمل أو اجتماعات مهنية أو تجمعات ومناسبات أسرية وعائلية، وكذا الحرمان من التطبيب والرعاية الصحية. والعديد من المواقف التي يتعرض لها الشخص الموقوف بسبب برقية بحث قد تكون ناشئة عن فعل جرمي طاله التقادم، أو لم يتم إلغاؤها بعد سابق تقديمه إلى العدالة وانتهاء البحث والدعوى العمومية المتعلقة به.

ولذلك دعت الدورية الأخيرة لرئاسة النيابة العامة السادة الوكلاء العامين للملك ووكلاء الملك إلى:
“المراجعة الدورية للمحاضر المحفوظة عقب إنجاز برقيات البحث، وذلك بهدف التحقق من استمرار توفر المبررات القانونية التي أدت إلى إصدار التعليمات بتحرير تلك البرقيات”

وكذلك إلى: “المبادرة إلى إصدار تعليمات ترمي إلى إلغاء جميع برقيات البحث المتعلقة بأفعال جرمية طالها التقادم القانوني مع مراعاة الأسباب القانونية لقطع التقادم”.

لكن ما يقع عمليا، وأمام تراكم العدد الكبير والهائل للمحاضر التي يتقرر فيها الحفظ إلى حين إيقاف الأشخاص المبحوث عنهم، بمختلف النيابات العامة وعدم وجود العدد الكافي للنواب في بعض المحاكم وانشغالهم في تصريف الأعمال المنوطة بهم يوميا، يجعل مهمة المراقبة الدورية لجميع المحاضر التي تقرر فيها الحفظ بعد تحرير مذكرة البحث، وكذا مراقبة تقادم الأفعال الجرمية، صعبة من الناحية العملية.

وتكمن الصعوبة بالنسبة للتقادم في كون المراقبة لا يجب أن تقتصر على تاريخ تسجيل الشكاية أو إنجاز المحضر المباشر، لكون العبرة في التقادم كما هو ثابت قانونا هي بتاريخ ارتكاب الفعل الجرمي وليس بتاريخ تقديم الشكاية أو إنجاز الأبحاث بشأنها؛ وعليه وجب على ممثل النيابة العامة دراسة جميع وثائق الملف وعدم الاكتفاء بالبحث الظاهري.

ولذلك فإن ما يقع عمليا هو أن مراقبة التقادم وظهور الجديد في البحث، والذي يمكن له أن يؤدي إلى إلغاء مذكرة البحث، لا يتم التطرق إليه إلا بمناسبة إيقاف الشخص المعني بالأمر، أو مطالبة صاحب المصلحة بمواصلة البحث، وكذلك في الحالات التي يتقدم بها المبحوث عنه أو نائبه القانوني بطلب يتعلق بإلغاء برقية البحث الصادرة في مواجهته.

ولذلك طالبت نفس دورية رئيس النيابة العامة الأخيرة ممثلي النيابات العامة على اختلاف درجاتها بالتفاعل الإيجابي مع الطلبات والملتمسات التي تقدم إليها من أجل إلغاء برقيات البحث.

و من ناحية أخرى فإن علاقة الضابطة القضائية بإلغاء مذكرة بحث عند إنجازها للمحاضر وإحالتها على النيابة العامة تتخذ صورا متنوعة لعل أهمها:

أنها توقف المبحوث عنه وتنهي البحث وتتوصل بتعليمات بوضعه رهن تدبير الحراسة النظرية وتقدمه أمام النيابة العامة المختصة،

وفي هذه الحالة من المفروض أنها تلغي مذكرة البحث المحررة في مواجهته تلقائيا بعد تقديمه، لكن يحدث في العديد من الأحيان أن تغفل عن إلغائها، وفي هذه الحالة قد تتدارك النيابة العامة المختصة الأمر وتصدر تعليمات بإلغائها بعد أن تتخذ قرارا بشأن البحث.

– بعد إيقاف الشخص المبحوث عنه تعطي النيابة العامة للضابطة القضائية تعليمات بتقديمه أمامها في حالة سراح، وفي هذه الحالة قد يحدث أن يتم إلغاء مذكرة البحث الصادرة في حقه، لكن ما يقع عمليا هو أنه يتم الإبقاء عليها إلى حين اتخاذ النيابة العامة قرارا بشأن المحضر المنجز في الموضوع، فيتم الاحتفاظ بمذكرة البحث كضمانة لامتثال المعني بالأمر بالحضور في وقت التقديم، فإن هو حضر يتم إلغاؤها تلقائيا أو بتعليمات من النيابة العامة إن هي انتبهت لذلك.

قد يظهر جديد في وقائع ومعطيات البحث يجعل النيابة العامة تعطي تعليمات للضابطة القضائية بإحالة المحضر على شكل معلومات قضائية، وقد تضيف إليها تعليمات بإلغاء مذكرة البحث الصادرة في حقه، كما أنها قد تؤجل ذلك إلى ما بعد دراستها للمحضر أو قد تغفل عنها فقط.

وفي الحالتين المشار إليهما أعلاه (التقديم في حالة سراح وإحالة المحضر على شكل معلومات قضائية) قد لا يتم إلغاء برقية البحث تلقائيا من طرف الضابطة القضائية وقد لا تنتبه النيابة بدورها إلى الأمر، فتبقى مذكرة البحث سارية في حق المعني بالأمر، وقد يتم تفعيلها مستقبلا ويتم إيقافه، فتثار مسألة إلغائها بعد التأكد من انتهاء البحث الذي كان جاريا بشأنها.

كما تجدر الإشارة إلى أنه قد يتم تقديم شخص أمام النيابة العامة في حالة سراح أو بعد وضعه تحت تدبير الحراسة النظرية، بعدما كان يشكل موضوع برقية بحث، فترتئي النيابة العامة بعد دراستها للمحضر إحالة الملف على قاضي التحقيق، وفي هذه الحالة يجب إعطاء تعليمات إلى الضابطة القضائية من أجل إلغاء مذكرة البحث المحررة في حق المعني بالأمر مادام قاضي التحقيق يتوفر على وسائل قانونية كافية لضمان حضور المعني بالأمر إذا قرر التحقيق معه في حالة سراح، فإن لم يمتثل أصدر في مواجهته أمرا بإلقاء القبض، يتم تفعيله بواسطة برقية بحث تتم إذاعتها على الصعيد الوطني، والتي يجب تتبعها أيضا والعمل على إلغائها متى تم ضبط المعني بالأمر، سواء كانت إجراءات التحقيق قائمة، أو انتهت بعدما يكون قاضي التحقيق رفع يده عن القضية وأصدر فيها قرارا معينا.

وهناك حالة أخرى تحدث عمليا، إذ يتم تحرير مذكرة بحث على الصعيد الوطني في حق أحد الأشخاص الذي تعذر إنجاز بحث معه، وقد تلجأ النيابة العامة المختصة في حالة عدم إيقاف المعني بالأمر وفي الحالات التي يتيح فيها القانون إحالة الملف على التحقيق إلى تحرير مطالبة بإجراء التحقيق في حق المعني بالأمر، وذلك لقطع التقادم بخصوص الفعل الجرمي المرتكب وتفاديا لفرار المبحوث عنه من العدالة (قضايا عدم توفير مؤونة الشيك عند تقديمه للأداء على سبيل المثال).

وفي هذه الحالة يجب على النيابة العامة إعطاء تعليمات للضابطة القضائية بإلغاء مذكرة البحث الصادرة في حق المعني بالأمر بمجرد إحالتها للملف على قاضي التحقيق.

سادسا: مذكرة البحث وقطع التقادم:

تنص المادة السادسة من قانون المسطرة الجنائية المغربي على أنه:

“ينقطع أمد تقادم الدعوى العمومية بكل إجراء من إجراءات المتابعة أو التحقيق أو المحاكمة تقوم به السلطة القضائية أو تأمر به، وبكل إجراء يعتبره القانون قاطعا للتقادم.

يقصد بإجراءات المتابعة في مفهوم هذه المادة، كل إجراء يترتب عنه رفع الدعوى العمومية إلى هيئة التحقيق أو هيئة الحكم”.

فهل يعتبر تحرير مذكرة في حق الشخص المطلوب في البحث طبقا لمفهوم المادة المذكورة إجراء قاطعا للتقادم أم لا؟.

إن الجواب عن التساؤل المذكور يتوقف على مدى اعتبار تحرير برقية البحث يعتبر إجراء يترتب عنه رفع الدعوى العمومية أم لا.

باستقراء مجموعة من القرارات الصادرة عن محكمة النقض، نجد أن الأخيرة لم تستقر على قرار موحد بشأن الموضوع، ونذكر للتمثيل على ذلك قرارين صادرين على التوالي في20/12/2016 تحت عدد 741/12 في الملف الجنحي عدد 7470/6/12/2016، و13/07/2017 تحت عدد 761/11 في الملف الجنحي عدد 20301/6/11/2016، إذ اعتبر القرار الأول أن مذكرة البحث لا يعتبر إجراء من إجراءات التقادم، في حين نهج القرار الثاني نهجا مخالفا للأول عندما اعتبرت أن مذكرة البحث تعتبر إجراء قاطعا للتقادم إذ جاء في القرار:

“وانتهت المحكمة في تعليلها بشأن ذلك بأن الجريمة موضوع المتابعة قد تقادمت طبقا للمادة 5 من قانون المطرة الجنائية التي حددت مدة تقادم الجنح في أربع سنوات، دون أن تتطرق لمذكرة البحث المشار إليها، وأن تتحقق من انقطاع التقادم من عدمه، مما تكون معه قد بنت قرارها على غير أساس من القانون، وعرضته للنقض والإبطال”.

وعمليا، لا تعتبر النيابات العامة مذكرة البحث إجراء قاطعا للتقادم إذ غالبا ما تعتمد في احتسابها لمدة التقادم على آخر عمل مادي للفعل الجرمي المرتكب مع الأخذ بعين الاعتبار للإجراءات القاطعة للتقادم، والتي نصت عليها المادة السادسة من قانون المسطرة الجنائية، لكنها لا تدخل في إطارها برقيات البحث الصادرة في حق المطلوبين للعدالة.

وبالرجوع إلى الكتاب المتعلق بشرح قانون المسطرة الجنائية الصادر عن وزارة العدل في جزئه الأول في الصفحة 54، نجد أنه يعرف إجراءات المتابعة بأنها:
“هي كل الإجراءات التي تقوم بها الجهة المكلفة بإقامة الدعوى العمومية لعرض الخصومة على القضاء قصد البت فيها”.

وترفع الدعوى العمومية أمام القضاء من أطراف فوض لهم القانون تلك الإمكانية ومن بينهم النيابة العامة والمطالب بالحق المدني وآخرون بواسطة عدة وسائل تختلف حسب نوع الجريمة المرتكبة.

وأرى أنه لا يجب تحميل مفهوم “إجراءات المتابعة” الذي نصت عليه المادة السادسة السالفة الذكر أكثر مما يطيق، لأن المقصود بإجراءات المتابعة هي التي تؤدي إلى رفعها وإقامتها مباشرة أمام المحكمة المختصة أو قاضي التحقيق المختص، وليس تلك التي تساهم في إنهاء إجراءات البحث بشأن الجرائم.

وبالتالي لا يمكن اعتبار مذكرة البحث من الإجراءات التي يترتب عنها مباشرة رفع الدعوى أمام المحكمة أو قضاء التحقيق، وإنما هو إجراء يساعد على إيقاف الأشخاص المطلوبين إلى العدالة لضرورة البحث معهم، ولا يؤدي بالضرورة إلى عرضهم مباشرة على قضاء التحقيق أو الحكم.

سابعا: إشكاليات عملية:

هناك العديد من الإشكالات التي تطرحها مذكرات البحث نذكر منها ما يلي:

أولا: ما يتعلق بمجريات البحث عن الجرائم:

1 – مرور وقت طويل على ارتكاب تلك الأفعال الجرمية التي ألزمت النيابات العامة بإصدار تعليمات إلى الضابطة القضائية بتحرير مذكرات بحث في حق مرتكبيها، فبمرور الوقت قد تستجد أمور لها علاقة بتلك الأفعال كالصلح والتنازل أو الأداء أو ظهور جديد يصب في مصلحة المبحوث عنهم، كما أن تلك الأفعال قد تتقادم طبقا لما ينص عليه القانون، ومع ذلك تبقى العديد من مذكرات البحث سارية المفعول في حق هؤلاء إلى أن يفاجؤوا بضبطهم وإلقاء القبض عليهم بعد ذلك في أماكن وأوقات مختلفة، ما قد يشكل مسا بحرياتهم.

ولذلك نصت الدورية الأخيرة لرئيس النيابة العامة على:

“ضرورة القيام بمراجعة دورية للمحاضر المحفوظة عقب إنجاز برقيات البحث وذلك بهدف التحقق من استمرار توفر المبررات القانونية التي أدت إلى إصدار التعليمات بتحرير تلك البرقيات”.

وكذلك إلى:

” إصدار تعليمات ترمي إلى إلغاء جميع برقيات البحث المتعلقة بأفعال جرمية طالها التقادم القانوني مع مراعاة الأسباب القانونية لقطع التقادم”.

إلا أنه عمليا، وأمام غياب خزان مركزي للمعلومات لدى المحاكم تمكنها من مراقبة حالات برقيات البحث – على خلاف الضابطة القضائية التي تسجل برقيات البحث التي تصدرها بالنظام المعلوماتي الرئيسي التابع إما للمديرية العامة للأمن الوطني أو القيادة العليا للدرك الملكي، يصعب على النيابات العامة مراقبة جميع مذكرات البحث المنجزة بناء على تعليماتها، فضلا عن تلك التي تصدرها الضابطة القضائية تلقائيا في حالات التلبس ولا تكون للنيابة العامة على علم بها خاصة بعدما لم يتم تقديم أي طرف له علاقة بموضوع البحث أمامها، فيصعب عليها في مثل هذه الحالات القيام بالإجراءات القانونية واللازمة لقطع التقادم خاصة وأنها لا تتوفر على أي محضر منجز في الموضوع.

وهو ما قد يحدث خللا في معالجة موضوع مذكرات البحث من طرف النيابة العامة، في انتظار تزويدها بنظام وتطبيق معلوماتي يتيح إمكانية ربطها بنفس الناظم الإلكتروني الذي تعتمده الضابطة القضائية في تتبع حالات وموضوع برقيات البحث.

ثانيا: قضايا الإكراه البدني:

حثت رئاسة النيابة العامة النيابات العامة المختصة على المراقبة الدورية لملفات الإكراه البدني للتأكد من وجود موانع قانونية للتطبيق مما قد يوجب إلغاء مذكرات البحث.

وفي هذه الحالة قد نتصور إمكانية تلك المراقبة، خاصة في ما يهم المانع المتعلق بالحد الأقصى للسن القانوني لتطبيق الإكراه البدني، لكن من الصعب مراقبة باقي الموانع، كحالة الحمل والإرضاع مثلا، والتي لا يمكن أن تثار إلا بمناسبة إلقاء القبض على المعنيات بالأمر وإشعار النيابة العامة بذلك بعد ربط الاتصال بها.

ثالثا:

تثار إشكاليات عملية أخرى حول إلغاء مذكرة البحث قد لا تكون لها علاقة بالبحث التمهيدي، نذكر منها ما يلي:

1 – في حالة صدور أمر بإلقاء القبض على المتهم من طرف قاضي التحقيق، وإصداره بعد ذلك أمرا نهائيا بعدم المتابعة، قد يحدث ألا يتم إلغاء مذكرة البحث ويظل المتهم مبحوثا عنه بموجب الأمر بإلقاء القبض.

2 – نفس الحالة السابقة تنطبق على إجراء المسطرة الغيابية في القضايا الجنائية، حيث إنه بعد تقديم المعني بالأمر لنفسه تلقائيا أو بعد إيقافه يمكن أن يصدر قرار نهائي يقضي ببراءته أو بعقوبة حبسية موقوفة التنفيذ في حقه.

ففي مثل هاتين الحالتين، أرى أنه على النيابات العامة مواكبة تلك القرارات، وأن تعمل بمجرد استيفاء تلك القرارات والأحكام لطرق الطعن القانونية وصيرورتها قابلة للتنفيذ أن تراسل الضابطة القضائية المختصة لإلغاء مذكرة البحث السابق تحريرها في مواجهة هؤلاء الأشخاص، وذلك تفاديا لكل إغفال قد يصدر عن الضابطة القضائية والذي يمكن أن يؤثر سلبا على حرياتهم.

3 – كما أنه في ما يتعلق بتنفيذ العقوبات الحبسية، تعمل النيابة العامة الساهرة على التنفيذ على إصدار أمر بإلقاء القبض على المنفذ عليه، وفي حالة تعذر إيقافه، تحرر في مواجهته برقية بحث على الصعيد الوطني؛

ولكن يجب عليها مواكبة تلك الملفات ومراجعتها بصفة دورية، وفي حالة تقادم العقوبة أو صدور عفو في صالح المعني بالأمر وجب عليها العمل على إصدار أمر بإلغاء مذكرة البحث المسطرة في حقه.

ثامنا:الحلول والمقترحات:

حتى يسهل تصريف موضوع برقيات البحث وضبطها وتنظيمها يمكن اقتراح مجموعة من الحلول العملية:

العمل على خلق منظومة إلكترونية تمكن النيابات العامة من تتبع جميع مذكرات البحث الصادرة في حق الأشخاص الجاري في شأنهم بحث قانوني تحت إشرافها، سواء كان منطلقه شكاية أمامها أو بحثا مباشرا أمام الضابطة القضائية.

2 – العمل على إصدار تعليمات في جميع المحاضر المحالة عليها، والتي يكون فيها الشخص المعني مبحوثا عنه بواسطة مذكرة بحث، وفي الحالة التي لا يظهر لها من خلال دراستها للمحضر أنه لم تتم الإشارة إلى إلغاء برقية البحث المحررة في حقه، مفادها إلغاء تلك المذكرة والإدلاء بما يفيد ذلك.

3 – في حالة الاستشارة الهاتفية مع النيابة العامة بخصوص البحث الجاري مع الموقوف المبحوث عنه بواسطة برقية بحث، وفي الحالة التي ترتئي الأخيرة إحالة الملف على شكل معلومات قضائية نظرا لظهور جديد في النازلة كالصلح والتنازل مثلا، أو في حالة تقادم الفعل الجرمي أو انعدام الإثبات أو عدم كفاية الأدلة، فمن الأفضل أن توجه تعليمات هاتفية صريحة بإلغاء مذكرة البحث إلى الضابطة القضائية تفاديا لإغفالها من طرف هذه الأخيرة، مع ما قد يترتب على ذلك من مشاكل للشخص المعنى بالأمر مستقبلا، من تأثير على حريته وتنقلاته داخل وخارج أرض الوطن.

4 – لا بد من اقتراح فرع في مشروع قانون المسطرة الجنائية الجديد يخصص لتنظيم موضوع مذكرة البحث بتفصيل، آخذا بعين الاعتبار جميع الإشكالات التي تطرحها من الناحية العملية، وكذا الحلول التي اقترحها مختلف الفاعلين في المجال القانوني والحقوقي.

عضو نادي قضاة المغرب

hespress.com