السبت 15 غشت 2020 – 00:55
يرابط رجال الدرك في المدخل الجنوبي لتازارين كما هو الشأن في بلدات الجنوب الشرقي؛ فالفيروس رفع التأهب ودفع “المخزن” إلى بذل مزيد من الجهد في مراقبة السيارات التي تدخل البلدة، خاصة وأن عطلة العيد تعرف دخول مهاجرين من مدن كثيرة الذين يصرون على قضاء أيام هذه الشعيرة رفقة الوالدين والأهل. هي إجراءات روتينية لا تنفع كثيرا في تصيد الفيروس، لكنها قد تنفع في “شيء آخر”.
يحرص المارة الذين يلجون مركز تازارين، راكبين أو راجلين، على ارتداء الكمامات حتى يجتازوا السد القضائي لـ”إمي ن الجردة” فقط، ثم يعيدون الكمامة إلى جيوبهم أو يحتفظون بها تحت ذقونهم، كما هو شأن كثير من المغاربة الذين يرون في الكمامة ضرورة أمام رجال السلطة لتقيهم من الذعيرة فقط وليس من الفيروس الذي يتنقل عبر الرذاذ.
“خابيات” للشرب
غير بعيد عن “باراج” الدرك بمدخل تازارين، توجد “خابية” ماء يحرص شخص ما ينشد الأجر والثواب على ملئها بالماء الصالح للشرب، وغلقها بقفل حديدي ووضع كأس بلاستيكي مشدود بخيط طويل إليها بهدف توفير شربة ماء لكل من أجبره قيظ تازارين أن يشرب في كأس شرب منه العشرات قبله حتى في زمن الجائحة.
ليست هذه “الخابية” هي الوحيدة المتاحة للشرب الجماعي في تازارين وإن في زمن “كوفيد-19″، فالبراميل المغطاة بالحلفاء والثوب للحفاظ على برودة الماء بعض الوقت توجد في أماكن كثيرة، وقد وضعها أصحابها في خدمة الناس طلبا للأجر دون أن تنتبه السلطات إلى أنها قد تشكل تهديدا حقيقيا في زمن الوباء. بعض المحلات استبدلت “الخابيات” بــ”تيرموسات” كبيرة، لكن وجود كأس بلاستيكي وحيد يجعل التهديد واحدا.
مصافحة وعناق
لم تمنع أخبار الوباء التي تملأ شاشات الهواتف ونشرات الأخبار شبان تازارين من مصافحة بعضهم وتبادل قبل الوجه والعناق أحيانا، وكثيرا ما تم ختم العناق وقُبَل الوجه بالسؤال: “ياك أوريد طنجة نغ مراكش أگدي تديت”، بمعنى هل جئت من مراكش أم من طنجة؟ والسؤال مجرد استفسار ساخر نكاية في المدن التي تنعت بأنها موبوءة، وتعبير على تحدي الوباء الذي خلط أوراق الناس في العالم، لكن أوراق مقاهي تازارين لم تخلط بعد، وتعج بالزبناء الذين يلتفون حول الموائد لشرب الشاي والقهوة ومختلف المشروبات وتبادل الأخبار العائلية حول الأعراس والأعمال والخلافات وتقسيم الأراضي وغير ذلك، أما أخبار الفيروس فلا تثار إلا للسخرية والتندر والتحقير.
الفيروس مجرد إشاعة!
باستثناء ارتداء الكمامة للمرور قرب دورية الدرك ومخزني من القوات المساعدة في إ”مي ن الجردة”، فلا شيء يحيل على وجود فيروس أرعب الدول وحطم اقتصادات العالم في تازارين، فالمجالس الخاصة في المقاهي وفي ظلال الحيطان تعامل الأمر بالكثير من اللامبالاة، حيث الذين تحدثت إليهم هسبريس يقولون بكثير من المرح إن الأمر “سياسة عالمية”،” غير طالقينها علينا”،” إخدادن أك أيناغ”، بمعنى الأمر مجرد كذب.
ولا أثر لمظاهر تعقيم اليدين التي يدعو إليها المذيعون في التلفاز، حتى مع ظهور حالات في أماكن قريبة من تازارين وارتفاع صوت البراح في بعض مداشر المنطقة بضرورة تفادي زيارة الدواوير التي ظهرت فيها حالات مؤكدة، فإن ذلك لم يغير شيئا من عادات الناس في قرى تازارين، فالتجمعات مستمرة وجلسات السمر الجماعي لم يحاربها الفيروس، لا سيما وأن السلطات الوصية لم تسأل عن بعض الوافدين من المدن الموبوءة إلا بعد انقضاء عطلة العيد، والحالات التي تم إخبارها بإيجابية التحاليل لم يتم ذلك إلا بعد أزيد من عشرة أيام على إجراء التحليل ومخالطة “الحالات” لمئات الأشخاص، سواء في الأسواق أو في القرى التي يقطنونها، وهو ما يغذي لدى الناس الشعور بعدم جدوى التدابير والإجراءات وعدم نجاعتها، و”إلا ما معنى أن يأتي شخص ويقضي أزيد من أسبوعين وسط عائلته ولا يتم إخباره بحمله للفيروس إلا بعد عودته إلى عمله في مراكش؟”، يتساءل متحدث لهسبريس.
زيجات كورونا
رغم المنع والخوف من انتشار الوباء، إلا أن ذلك لم يمنع الزيجات في الجنوب الشرقي عموما، والقرى القريبة من تازارين، وإن اختلف الأمر حسب اجتهاد السلطات المحلية، و”تغاضي” القواد مع شروط شفوية حول ضرورة “تفادي الهرج والمرج”، والاكتفاء بالأقارب الذين يأتون كذلك من دواوير بعيدة، وتجنب كل مظاهر الفرح من مفقرعات وأحيدوس جماعي وطقوس مثل “أسوگز” و”أحاصر”، “أسركط” و”أمزيد” وغيره من عادات الأعراس التي اختفت زمن الجائحة. ولا يمر يوم دون أن تحتفل أسرة بعرس ابنة أو ابن، مع تقليص عدد المدعوين والاقتصار على الجيران والأهل الذين قد يأتون من دواوير بعيدة والتسلل خلسة نحو منزل ما لإحياء الفرح بشكل سري.