”التضليل أخطر أنواع القمع ”- عمر بن جلون.

مع انقضاء شهر مارس، اكتملت بالتمام والكمال الذكرى الأولى، لبداية الوجهة الجديدة التي أخذها العالم؛ جراء تبلور محددات واقع كورونا الجديد. الحقيقة الأولية، القابلة حقا للتأويل غاية اللحظة بعد أحداث السنة الفائتة، البارزة بلا غبار؛ جلية وضوح الشمس قيظا أمام الأعين، تتمثل في الإقرار التالي: التِّيه.

نعم، يبدو الجميع تائها في خضم التضارب الشديد لجملة حقائق متناقضة، قدر التباسها وانتفاء المصداقية عنها، بحيث تتنازع راهنا المجتمعات السبل عبثا؛ بل تعسفا لاإنسانيا، تبعا لرغبات الأطراف الأساسية المتصارعة عند الواجهة الأولى، بخصوص توجيه كورونا نحو هذه الوجهة أو تلك، حسب مقتضيات الحال والأحوال، ثم التحايل على شراء ذمة الفيروس خدمة لمصالح خاصة؛ بعيدا جدا عن الآفاق الناجعة المفترضة قصد استتباب مشروع الوضع الإنساني البديل الذي انطوى عليه إشكال الوباء.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display(‘div-gpt-ad-1608049251753-0’); });

بالتالي، لم يعد اليوم ضروريا تمثّل سؤال تحديد هوية كوفيد ومصدره، قياسا مع إلحاحية الفورية لتوجه الرؤى أساسا ونوعيا بتركيز مسؤول جدا وشفاف للغاية، نحو المصير الإنساني المشترك والمستقبل المجهول بالنسبة للأجيال الحالية والمقبلة، انطلاقا من الاستفسار عن التالي: كيف بوسع هذا العالم أن يصبح حقا ”طبيعيا”، وقد تناغم إيقاعيا مع المتبقي من المخزون الاحتياطي لمدخرات الكون، عبر تدارك أجوبة فعلية تقدم حلولا صوفية إن صح التعبير، لدواعي الإشعارات المنذرة التي استمرت مؤجلة دائما أو مستبعدة أو مفترضة، طيلة الفترة الزمنية السابقة عن سياق كورونا؟

يبدو، إذن نتيجة تبلور بعض ملامح جانب من حيثيات أولى سنوات الجائحة، أن التِّيه ممهور بالتضليل يظل في نهاية المطاف سيد الموقف، والمرجع الثابت، بخصوص العروض المطروحة لفهم وقائع ما يجري، واستشراف معطيات ما يقع. وضع لم تختبر البشرية مثيلا له، منذ انتهاء أهوال الحرب العالمية الثانية، أو فقط عاينت هذه الأجواء بكيفية ما، فنيا وخياليا، بفضل نصوص إبداعية اتسمت بمنظورها الرؤيوي والجنائزي المحذر من مآلات غير سعيدة.

بالتأكيد، الإنسانية برمتها تأكلها الحيرة واللاطمأنية، الدول كالأفراد، المجموعات كالأشخاص، على منوال مشهد تراجيدي لسفينة شائخة، وجدت نفسها بغتة وسط عمق البحر، تحت رحمة عاصفة هوجاء، تتقاذفها الأمواج العاتية عبر كل حدب وصوب، في حين تبدو المسافة الفاصلة عن مرفأ الإرساء بعيدة جدا، والأفق متلبدة غيومه ترسم المدى سوادا، أما الركاب العالقين فقد احتضن كل واحد منهم قشة خشب للتمسك بها، ربما نجا بذاته من الغرق والموت.

حتما، تكمن أخطر أنواع التِّيه والتضليل، في استراتيجيات المكر والخديعة التي يجتهد أيَّما اجتهاد في تدبيرها تجار الحرب، المنتعشة حيواتهم بكل ما يكفي على أشلاء الجثث مع تواتر بنيات الموت. قد تختلف تسمياتهم بين هذا وذاك، من الذئاب إلى مصاصي الدماء فآكلي الجيف والخفافيش والثعالب والجرذان والميركانتيليين وحراس عقيدة الذهب والفضة إلخ.لا يهم، الأهم تضمينات مختلف تلك الإحالات: رأسماليو الموت.

النتيجة، هناك من يتوخى بالمطلق استمرار كابوس كورونا إلى ما لا نهاية، تأبيدا لمصالحه، وأن لا تتوقف قط قافلة الجنائز، تماما كما الشأن بالنسبة لتجار الأسلحة في علاقتهم بديمومة الحروب، ومدى شراستها. طبعا، الأطراف المستفيدة بارزة للعيان؛ لم تعد متوارية عن أنظار أحد. وحدها الشعوب أضحت معتقلة صحبة حقها في الحياة، بين سياج سجن هائل اسمه العالم المعاصر، كي تكابد بقسوة قروسطية على جميع المستويات: الحكام يتوعدون بلغة الوعود المنمقة. الخبراء يتأقلمون اعتباطا. المشرفون يتربصون ويتحايلون.

هكذا، خرج الوباء عن كونه وباء، يقتضي أولا وأخيرا، مرجعية محض علمية، تعود في إطاره الكلمة الفيصل للخطاب العلمي ولسلطة أهل الطب، بناء طبعا على موجهات لوجيستيكية قصد تدبير معطيات الواقع الجديد، وقد تجردت عن مختلف الديماغوجيات ذات المصالح الظرفية الضيقة، حتى لا تغدو كورونا بعد كل شيء، مجرد لعبة سخيفة حمَّالة أوجه على شاكلة التلويح بقميص عثمان.

The post تجاذبات قميص عثمان! appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.

hespress.com