رهانات جديدة على العلاقات المغربية-الموريتانية التي تشهد ديناميكية متواصلة في ظل المتغيرات الراهنة، التي استدعتها التطورات الأخيرة التي حصلت في بوابة “الكركرات” الحدودية، وما أعقبها من قرارات جيو-إستراتيجية على صعيد المنتظم الدولي.
وتعرف الخريطة الإقليمية حركة تغيير واسعة النطاق في ظل المستجدات السياسية التي تعرفها المنطقة؛ وهو ما دفع الرباط إلى تعزيز التعاون مع نواكشوط، خاصة بالمجالين الأمني والعسكري، جراء التحديات الإرهابية المتصاعدة من جهة، والتدخلات الخارجية التي تستهدف “بلاد شنقيط” من جهة ثانية.
وشهدت العلاقات الثنائية قفزة نوعية خلال 2020، دعّمت المسار التفاوضي بين العاصمتين الإقليميتين منذ صعود محمد ولد الغزواني إلى سدّة الرئاسة عام 2019، حيث تراهن الرباط على استمالة نواكشوط إلى جانبها، بعد المنجزات الدبلوماسية المحققة في قضية الصحراء.
وفي هذا الإطار يرى عبد الواحد أولاد ملود، الباحث في الشأن الأمني لمنطقة شمال إفريقيا والساحل، إن “الدبلوماسية المغربية عرفت صحوة مهمة ضاربة في العمق الإفريقي خلال السنوات الأخيرة مع العديد من بلدان جنوب الصحراء وإفريقيا الغربية؛ ذلك أن المغرب وسع من امتداده الدبلوماسي مع الدول الفرانكفونية والأنجلوساكسونية، وحتى مع الدول الليزوفونية”.
وأضاف أولاد ملود، في تصريح لهسبريس، أن “أواصر العلاقات المغربية مع الجارة الجنوبية الموريتانية عرفت شدا وجذبا بسبب الأوضاع التي تعرفها المنطقة، خاصة فيما يتعلق بقضية الصحراء التي لم ترخِ بثقلها على المجتمع المغربي فقط؛ بل كذلك على الجارة موريتانيا التي أدت تكلفة حدودها مع الجزائر، لا سيما منطقة تندوف جنوبا التي توظف من خلالها الجزائر جبهة البوليساريو كلما دعت الضرورة إلى ذلك”.
وأوضح الباحث أن “المشكل، كما يعلم الجميع، بدأ بعقد اتفاقية مدريد لاقتسام الصحراء بين المغرب والجمهورية الإسلامية الموريتانية في عهد الرئيس السابق المختار ولد دادا، حيث عانت من تبعات حرب العصابات لجبهة البوليساريو؛ وهو ما أرغمها على الرضوخ للهدنة مع الجبهة بضغوط جزائرية أثناء حكم العقيد محمد خونا ولد هيدالة، ما خلف اصطداما دبلوماسيا مغربيا موريتانيا”.
وأشار المتحدث إلى أن “الوضع الذي عاشته موريتانيا في تلك الفترة بمثابة الحلقة الأضعف في المنطقة، وهو ما لمسناه جليا في الإعلان عن تأسيس الاتحاد المغاربي، فاجتماعات هذه المنظمة جعلت من الجمهورية الإسلامية رقما إضافيا فقط؛ “إن حضرت فلا تستشار، وإن غابت فلا يسأل عنها”، مع العلم أن طبيعة العلاقات المغربية الموريتانية في عهد معاوية ولد سيدي أحمد الطايع عرفت نوعا من الدفء بين البلدين، لأن الطرف الموريتاني حذا حذو الحياد من قضية الصحراء”.
وأبرز الباحث أن “موقع الجمهورية الإسلامية الموريتانية كأحد الأطراف الأساسية في نزاع الصحراء جعل العلاقات بينها وبين المغرب والجزائر بمثابة الشقيق الذي لا يمكنه الانحياز إلى أحد الشقيقين على الآخر، ولو أن طبيعة العلاقة تتغير بتغيير من يحكم الجارة الجنوبية، وهو ما لحظناه خلال الفترة الرئيسية السابقة للرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي أبان عن ميوله للطرف الجزائري وعقده لقاءات مع قادة البوليساريو”.
لكن التحول الجيو- إستراتيجي التي عرفته المنطقة، حسبَ محدثنا، هو انتخاب الرئيس الجديد محمد ولد الشيخ الغزواني؛ ما قد يتيح المجال لقراءات أخرى بخصوص أبعاد العلاقات المغربية الموريتانية، فأزمة “الكركرات” التي كلفت الأسواق الموريتانية خسائر اقتصادية، وكذلك التاريخ الحافل بالتهديدات الأمنية التي واجهتها البلاد بسبب تورط قادة “البوليساريو” في الجماعات الجهادية وشبكات الهجرة غير النظامية، جعلت الجارة الجنوبية لا محال تعيد القراءة الجيو- إستراتيجية، بتعبيره.
وتابع شارحا: “الأمر الذي لمسناه من خلال التقارب الدبلوماسي القوي بين المغرب والطرف الموريتاني، وهو ما أكده الاتصال الهاتفي بين الملك محمد السادس والرئيس ولد الغزواني، والدعوة الصريحة لتبادل الزيارات بين قائدي البلدين. وفي رأينا، يُعزى هذا التقارب إلى أن الجارة الجنوبية استوعبت الدرس جيدا أنه لا بد من التعاون والتقارب مع المغرب، الذي يعتبر إحدى القوى الإفريقية التي يعول عليها؛ فلا يمكن للطرف الموريتاني أن يضحي بعلاقات قوية واعدة مع جار شمالي المغرب في سبيل شرذمة البوليساريو أو الجزائر”.
واسترسل: “حتى على مستوى التعاون الاقتصادي بين موريتانيا والجزائر، التي دبرت لأزمة الكركرات بإغلاق المعبر ومحاولة استغلال الوضع بمبادلات تجارية بينها وبين موريتانيا عبر “معبر تندوف شوم”؛ ولكن لم يتأتَ لها ذلك، نظرا للأزمة التي يعيشها الداخل الجزائري من ناحية، وكذا التهديدات الأمنية التي تحدق بالمساحة الجغرافية لهذا المعبر الذي يشهد نشاط الجماعات الإرهابية، وما جرى تسجيله من اختطاف لأجانب من فرع تنظيم القاعدة وحلفائها عبر المغرب الكبير والساحل من ناحية ثانية”.
وأورد الباحث السياسي أن “التعاون المغربي الموريتاني يوحي في الفترات الأخيرة، على مستوى مجالات جيو- إستراتيجية واقتصادية وأمنية واجتماعية عديدة، بأن طبيعة العلاقة بين البلدين ستعرف بدون شك تحولا مفصليا في قضايا عديدة أبرزها قضية الصحراء؛ فالدينامية الدبلوماسية المغربية لا محال ستجعل الطرف الموريتاني يغيّر تعامله مع الوضع لصالح تحقيق توازن المنطقة”.
وخلص أولاد ملود إلى أن “موريتانيا قد تنحاز بشكل أو بآخر إلى الطرح المغربي، وهو ما عبر عنه العديد من المثقفين الموريتانيين والنخب السياسية. اليوم أمام البلدين تحديات جيو- إستراتيجية يلزمها المزيد من التعاون وترسيخ أواصر الثقة؛ فأمن المغرب من أمن موريتانيا والعكس صحيح. في المقابل، من المنتظر أن يدبر البلدان مشاريع إستراتيجية، على غرار أنبوب الغاز الرابط بين أبوجا والرباط ومشاريع تنموية أخرى”.