في “كتابين”، صدر تحقيق الباحث عبد الرزاق بنواحي للجزء الثاني من مخطوط “زبدة التاريخ وزهرة الشماريخ”، للمؤرخ محمد ابن الأعرج السليماني، الذي يقدم تأريخا للمغرب منذ استقلال المغرب الأقصى عن الخلافة بالمشرق إلى عهد السلطان المولى يوسف العلوي أواسط عشرينات القرن العشرين.

صدر هذا العمل المحقَّق عن منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وأشاد به مندوبها السامي مصطفى الكتيري، الذي كتب قائلا إنه “إضافة نوعية لرصيد الكتابات التاريخية المتناولة لتاريخ المغرب، والمحللة لقضاياه،

من لدن النخبة المثقفة المغربية التي ساقتها غيرتها الوطنية إلى الانكباب، إما باهتمام شخصي أو توجيه سلطاني، إلى توصيف أوضاع وأحوال المغرب أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين الذي عاش أعاصير بداية الاحتلال الأجنبي والتسلط الاستعماري”.

وأضاف الكتيري في تقديمه لهذا الإصدار الجديد، أنه “سوف يسهم بمحتوياته الفكرية في فك طلاسم ما استبهم من أحداث، وما التبس من أخبار، وما اعترى بعضها من تحريف وتصحيف، في أفق إنصاف التاريخ الوطني، والارتقاء بالكتابة التاريخية الوطنية نحو الأفضل”.

وقال المحقِّق عبد الرزاق بنواحي إن اسم الكتاب “زبدة التاريخ”، يُظهر أن المؤلف “حدد الإطار العامّ الذي صاغ فيه تاريخه، وهو الإيجاز والاختصار مع التركيز على ما هو أهم”، مضيفا أن “السليماني قسّم كتابه هذا على شكل أدوار، سمى كل دور باسم العائلة التي توالت في دورها على حكم المغرب، بحيث يبدأ بعرض أحداث العائلة منذ ظهورها على رأس السلطة إلى حين سقوطها، مع تحليله أحيانا لهذا السقوط”، وهي ثماني عائلات؛ أولاها الإدريسية وآخرها العَلَويّة.

وأفاد المحقق بأنه بعد الانطباع الجيد الذي خلفه كتاب السليماني “اللسان المعرب عن تهافت الأجنبي حول المغرب”، أشار السلطان يوسف العلوي على هذا الأخير بتأليف كتاب شامل يجمع فيه تاريخ شمال إفريقيا، لكن وفاته حالت دون إتمامه. كما خلف كاتبه مؤلفات في التاريخ والاجتماع والاقتصاد جعلته “أحد رموز الفكر التاريخي المغربي المغمور، الذي أسهم في تشخيص أزمة مغرب الأمس”.

ويتضمن هذا الجزء من المخطوط المحقَّق، المنشور في كتابين، تأريخا لدول الأدارسة، وبني عافية المكناسيين، والمرابطين، والموحدين، والمرينيين، والوطاسيين، والسعديين، ثم تاريخ الدولة العلوية منذ تأسيسها إلى وفاة المؤلِّف سنة 1926.

وانطلق محمد بن الأعرج السليماني في كتابته التاريخية من رؤية سبق أن عبر عنها، وفق الدارس، في كتابه “اللسان المعرب عن تهافت الأجنبي حول المغرب”، حيث كتب: “(…) وبيّنتُ أسباب الانقلابات العمرانية، وسقوط العروش الملوكية، وأرشدت أبناء وطني فيه حسب الإمكان لما يتعين تعاطيه في هذا الزمان، رجاء أن تنهض هذه الناشئة وتنفض غبار الكسل عنها. وأن تتحلى بما كان لسلفها الصالح والأخذ منها”.

واعتمد المؤلِّف، وفق الباحث عبد الرزاق بنواحي، على مصادر مكتوبة حول المرحلة التي لم يعاصرها، واعتمد في التأريخ لما عاصره على مشاهداته وما أخذه عن الروايات الشفوية التي تلقّاها من عدد من الأفراد الذين التقى بهم.

وما يميز محمد ابن الأعرج السليماني ومؤلفه “زبدة التاريخ”، مقارنة بسابقيه، تركيزه أساسا، حسب المصدر ذاته، “على مواطن الضعف والقوة، وتركيب بعض الأسباب بالمسبّبات ليخلص إلى إعطاء نظرته وتصوّره عن الحدث”، مع تأثر كبير بمنهجية ابن خلدون في عرض الوقائع.

ومن بين ما يجده القارئ في هذا المنشور الجديد، حديث لمحمد بن الأعرج السليماني عن “استقلال هذه المملكة عن خلفاء الشرق في أوائل المائة الثانية من الهجرة، عند انحلال خلافة بني أمية”، قائلا إن سبب استقلال الأطراف “ما كان عليه خلفاء الأمويين، ثم العباسيين بعدهم، من الجبروت والاستبداد، والخروج عن جادة الحق ونبذهم سيرة الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم”.

hespress.com