بات من المؤكد أن المسلسل السياسي الذي ترعاه منظمة الأمم المتحدة لإيجاد حل لنزاع الصحراء المغربية لن يكون كما كان عليه الوضع قبل 13 نونبر 2020، تاريخ تحرير معبر الكركرات، وقبل الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب الكاملة على أقاليمه الجنوبية في العاشر من دجنبر من السنة نفسها، وهو ما دفع بجبهة البوليساريو إلى استباق استئناف المفاوضات بدعوة المملكة إلى الاعتراف بها قبل الجلوس في حوارات مقبلة.
الملك محمد السادس أكد للأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، عقب تطهير معبر الكركرات من المليشيات الانفصالية، أن المغرب سيواصل دعم الجهود الأممية في إطار المسلسل السياسي، لكنه شدد على أن “هذا المسلسل يتعين أن يستأنف على أساس معايير واضحة، ويشرك الأطراف الحقيقية في هذا النزاع الإقليمي، ويمكن من إيجاد حل واقعي وقابل للتحقق في إطار سيادة المملكة”.
ويرى الموساوي العجلاوي، الأكاديمي المغربي الباحث بمركز أفريقيا والشرق الأوسط للدراسات، أن معالم المرحلة المقبلة على مستوى تدبير نزاع الصحراء ستأخذ بعين الاعتبار المستجدات الأخيرة التي عرفها الملف، من قبيل ما وقع في الكركرات والاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه وسياسة فتح قنصليات بالأقاليم الجنوبية، وأيضا ضعف الواجهة الجديدة للنظام الجزائري.
التغيرات الجديدة في ملف القضية الوطنية الأولى، بحسب العجلاوي، أعطت للنزاع بعداً إقليمياً جديداً ليس فقط على مستوى علاقات المغرب مع الجزائر وموريتانيا التي اختارت إعادة ترتيب الأوراق بالتقرب من الرباط بعد تحول موازين القوى، بل أيضا على المستوى الدولي بعد الاعتراف الأمريكي وأثره السياسي الذي سيمتد في السنوات المقبلة مهما كانت مواقف الإدارة الأمريكية.
ولاحظ المحلل في الشؤون الإفريقية، في تصريح لهسبريس، انحصار الموقف الأوروبي من نزاع الصحراء، خاصة بالنسبة لفرنسا وإسبانيا، مقابل تقارب قوي جديد بين الرباط ولندن بعد البريكست، مشيرا إلى عزم بريطانيا استثمار 18 مليار جنيه إسترليني لنقل الطاقة المتجددة من المغرب دون المرور عبر أوروبا.
وأوضح العجلاوي أن التقارب الاقتصادي بين المغرب وبريطانيا يدفع بلندن إلى التحرر من الموقف الرسمي للاتحاد الأوروبي بخصوص نزاع الصحراء، موردا أن عددا من دول القارة العجوز قد تتخلص كذلك من الموقف الكلاسيكي لأوروبا، “لأنه على مستوى القانون الدولي لا يوجد ما يمنع أي دولة ذات سيادة من الاعتراف بسيادة دول أخرى على أراضيها”.
التحولات الكبيرة التي عرفها ملف الصحراء في سنة 2020، يورد المصدر ذاته، من المنتظر أن تعزز العلاقات بين المغرب وبلدان شرق أوروبا ليس من بوابة الشراكة الأوروبية لكن في إطار علاقات ثنائية، وبالتالي سيتم تجاوز موقف الاتحاد الأوروبي من ملف الصحراء.
وأشار العجلاوي، في تحليله، إلى القلق الفرنسي من الحضور الأمريكي في منطقة الساحل والصحراء والتوجس الإسباني أيضا من توجه أنظار المغاربة بعد إنهاء ملف الصحراء إلى المفاوضات حول ملف سبتة ومليلية المحتلتين.
وشدد الباحث على أن المغرب ما قبل 13 نونبر ليس هو مغرب اليوم، موضحا أن الاتفاق المالي والاقتصادي مع الجانب الأمريكي سيؤدي إلى حدوث تحولات استراتيجية كبيرة ويقلب الكثير من المعادلات، مردفا أن مشروع واشنطن “ازدهار إفريقيا” يعطي للمغرب التصرف في حوالي 60 مليار دولار مع دول جنوب الصحراء، في إطار الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في القارة الإفريقية لمنافسة قوى دولية أخرى، خصوصا النفوذ الروسي والصيني بالقارة.