قصد التعريف بحقل دراسات الثقافة البصرية الذي لم يجد طريقه بعد إلى الجامعات المغاربية والعربية، صدرت ترجمة الباحثة عفيفة الحسينات لمؤلَّف “مدخل إلى الثقافة البصرية” الذي كتبه نيكولاس ميزويف، أحد مؤسسي هذا الحقل.

في هذا المنشور الصادر عن دار أبي رقراق للطباعة والنشر، تقدم الباحثة المغربية عفيفة الحسينات ترجمة أولى لجزء من مؤلَّف “مدخل إلى الثقافة البصرية”، خاصة بالنقل من الإنجليزية إلى العربية مقدمة الكتاب وفصلين منه.

وفي تقديم الكتاب، كتب الباحث في الجماليات البصرية إدريس القري أنّ هذه الترجمة تنبه إلى “تخصص جديد ناشئ، لا زالت الجامعات المغربية والعربية تجهل كل شيء عنه، ولا تعي ضرورة تأسيس شعب وأقسام له”، وتحدث عما ستُتيحه الترجمة من “استثمار علمي رصين لجزء هام من تراثنا الثقافي الغني والمتنوع”.

وذكر القري أن متن الإنتاجات والإبداعات البصرية يشكل اليوم، أكثر من أي وقت مضى، “مادة لقيام دراسات بصرية محررة لتاريخ الإنسانية من الإرث الأنثروبولوجي الكولونيالي وما أفرزه من استشراق”، مستحضرا غدو الثقافة البصرية في قلب المعيش اليومي للناس، وفي صلب سعيهم نحو معرفة مقاومة لاستلاب يهددهم من جميع حواس الاستقبال ومن ملكات الإدراك والفهم”.

وزاد الباحث مؤكّدا على ما في ترجمة هذا المدخل، ولو جزئيا، من “تعزيز لتحولات في العالم العربي والمغرب، من حيث التعامل مع وسائل إنتاج البصري بكل أنواعه، بوضعه في سياق وعي يذهب أبعد من مجرد الاكتفاء بموقف المتفرج والمستهلك، أو في أحسن الأحوال موقع المنتج غير الممسك بالغايات وبالمبتغى من هذا الإنتاج، في علاقته بأسئلة أساسية مثل: كيف نرى؟ ومن أي موقع؟ وهل نرى ما نريد أم نرى ما هو متاح وموجه إلينا أن نراه؟”.

بدورها، كتبت الباحثة عفيفة الحسينات أن حجة ترجمة هذا الكتاب المدخل هو أن حقل دراسات الثقافة البصرية صار من أهم الحقول المعرفية في العالم الراهن، بعدما غدت الثقافة البصرية أكثر قربا من الناس، وبعدما صار العالم حافلا بالشاشات وبالصور التي تجذب إليها الأنظار.

وأكدت المترجمة على أهمية إسهام “الثقافة البصرية” في فهم العالم المعاصر وظواهره، وفهم تشكل الثقافة عموما ومنظومة القيم وأسس النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي تنمو ضمنه، بل وإسهامها انطلاقا من هذا في فهم تاريخ تطور الإبصار والرؤية والمنظور، وعلاقتهما بالسلطة وبناء “الكارزميات السياسية” منذ القرون الوسطى.

وذكرت المترجمة أنّ وضع الثقافة البصرية في المغرب خاصة، وفي العالم العربي عامة، “يشكل مفارقة” لأنها “أحد الحقول العذراء التي لم تنل حظها من الدراسات الإنسانية، السوسيولوجية والسيميائية والتاريخية، كما أنها تشمل في الوقت نفسه تراثا غنيا وشديد الأهمية في الإجابات الممكن توفيرها من دراسته لأهم المشاكل العالقة في فهم بنيات وذهنيات مسار العالم العربي فيما يخص التحديث والانتقال من التقليد”.

وتزيد خطورة هذه المفارقة المبرزة، خاصة مع ما تستشهد به المترجمة من تنبيه لمؤلف الكتاب إلى كون دراسات الثقافة البصرية في العالم الأوروبي والأمريكي، مع كل ما حصل فيها من تقدم، غير كافية ولا تساير سرعة تطور تكنولوجيات التواصل الجماهيري وصناعة الصورة التي تؤثر على مضامين التواصل الاجتماعي والسياسي، من حيث طرق صياغتها وأساليب ترويجها.

hespress.com