جدل سياسي كبير يشهده حزب العدالة والتنمية في الساعات الأخيرة بسبب تسريب تسجيل صوتي لعبد الإله بنكيران، الأمين العام السابق للحزب ورئيس الحكومة السابق، على مجموعة “واتساب” لقيادات بارزة بالتنظيم الحزبي، حيث تضمن إشارات مبطنة بمغادرة الحزب في حال تصويت برلمانيي “المصباح” على مشروع قانون رقم 13.21 المتعلق بالاستعمالات الطبية والصناعية للقنب الهندي “الكيف”.
وفيما يتهم تيار داخل حزب العدالة والتنمية محمدا يتيم، القيادي بالحزب ذاته والوزير السابق، بتسريب التسجيل الصوتي، خرج المعني بالجدل لينفي مسؤوليته المباشرة حيال الموضوع، بدعوى أنه لم يقصد وضعه في المجموعة سالفة الذكر، وإنما يتعلق الأمر بـ”خطأ تقني”، قبل أن يحذفه بشكل نهائي بعد النقاش الذي تولد عنه.
وقد طرح البعض العديد من التساؤلات بشأن دواعي تسريب التسجيل الصوتي، إن كان الفعل عمديا من طرف صاحبه، بين من يرى أن ذلك محاولة لكشف مناورات بنكيران في الواقع بعيدا عن “أوراق فيسبوك”، وبين من يعتبر الخطوة “مناورة مضادة” للقضاء على أمل العودة إلى الأمانة العامة.
“مناورات بنكيرانية”
وفي هذا الصدد، قال رشيد لزرق، الخبير الدستوري المتخصص في الشؤون البرلمانية والحزبية، إن “مناورات بنكيران وعصبته هي محاولة العودة إلى دائرة الضوء، وآلية من آليات التنفيس عن الاختناق التنظيمي، وما يجري الآن تصريف أوراق سياسية متفق عليها، تحت حدود معينة بغاية فسح مجال أكبر لتقوية أوراقهم التفاوضية، ورسالة إلى الدولة بإمكانية قلب الطاولة، خاصة بعد التحاق قيادات العدالة والتنمية بهذه المبادرة”.
وأضاف لزرق، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هذا التحرك جاء في فترة الاستعداد للانتخابات في وقت فتحت فيه الطريق نحو محاسبة بعض قيادات الحزب بشأن اختلالات تدبيرية تهم الجماعات التربية، وما يحصل الآن يجسد العمل في الغرف المظلمة التي يلجأ إليها العدالة التنمية كلما شهد اختناقا داخليا أو اتجاها نحو المحاسبة”.
وتابع بالشرح: “ما يؤكد ذلك هو سياق الترويج الإعلامي، وتركيز بنكيران خرجاته خلال السنة الأخيرة من العهدة الانتخابية، وتزامنها مع الاستعدادات الانتخابية؛ لكن العثماني يظهر حنكته وإتقانه لدور المضغوط عليه، بالنظر إلى أن الرجل يتقن فن التوهيم بكونه مضغوطا عليه داخليا بغاية تهيئة التفاوض”.
وأردف: “لذلك، فإن الرسالة مناورة مكشوفة للمتتبعين لتكتيكات العدالة والتنمية، تحت مبرر الخلافات الداخلية بين الجناح المزايد المحسوب على بنكيران وبين الجناح البراغماتي الذي يقوده سعد الدين العثماني؛ الأمر الذي لا يعدو أن يكون ضرباً من المناورة التي يلجأ إليها عموماً الحزب للإيهام بطبيعته الديمقراطية، والحال أن جزءا من إستراتيجية العدالة التنمية يتمثل في التنصل من مسؤولية التدبير لإيهام المخيال الشعبي”.
“ونجح حزب العدالة والتنمية بتحويل فشله إلى بقاء في الحكومة بأي ثمن عبر التمسك بالواجهة الديمقراطية في إدارة شؤونه وصراعاته؛ لكن تلك الواجهة لا تمس في شيء بنيتهم التنظيمية”، يورد الباحث، الذي استطرد: “الحزب قائم على الانضباط وعدم المواجهة، وهو ما يجعل بنيته التنظيمية متماسكة؛ ذلك أن تبني الديمقراطية كواجهة مجرد تكتيك يراد منه المحافظة على المصالح التي حققها لنفسه، بينما تتعامل مع الممارسة الديمقراطية الفعلية بمنطق مكره أخاك لا بطل”.
وختم قائلا: “العثماني غيّر موقفه من النقاش الدائر؛ لأن المناقشات داخل العدالة والتنمية كشفت عن وجود جناح مزايد يدفع نحو سيناريو قلب المعطيات وعودة تيتر بنكيران، لهذا قرر العثماني رفع الصوت حماية لوحدة الحزب، حتى يجنبها التصدّع، ويبعدها عن سيناريو حصول انقسام محتمل، إلى جانب بحثه عن صفقة المرحلة المقبلة؛ ما دفعه إلى تأجيل اجتماع الأغلبية الحكومية، لأن مجاراة الجناح المزايد قد يعزل “البيجيدي”، ولن يجد من يتحالف معه خاصة إذا تراجع انتخابيا لأن الجميع يعتبره خصما سياسيا”.
صراعات شخصية
من جهته، أفاد كريم عايش، باحث في العلوم السياسية، بأنه “مع اقتراب الانتخابات البلدية والبرلمانية، ودخول الزمن السياسي الحزبي الدقائق الإحمائية لمباريات من يحسم كراسي الجماعات الترابية والمدن، تصاعدت صراعات شخصية على خلفية مفاهيمية وفكرية”.
وأوضح عايش، في تصريح للجريدة، أن “رئيس الحكومة السابق، بعكس أي وزير أول أو رئيس حكومة سابق، خرج عن الآداب السياسية للمسؤولين الكبار في الدولة الذين انتهت مهامهم الرسمية؛ فبدل الاهتمام بتكوين الأجيال السياسية المقبلة، سواء عبر الندوات وتقاسم التجارب أو من خلال التدوين، صار يشغل الساحة السياسية بمواقف تخرج عن قواعد اللياقة”.
وأكد المتحدث أن “موضوع تقنين زراعة القنب الهندي تحول إلى القشة التي قصمت ظهر علاقته السياسية بزملائه بالمكتب السياسي، بالإضافة إلى التصريح بمواقف وأقوال لا يمكن إلا أن تصنف في دائرة ملء الفراغ؛ فآخر خروج لرئيس الحكومة السابق كان من التناقض والسطحية”.
وأبرز الباحث السياسي أن بنكيران “أسس لمواقف سياسية جديدة في تاريخ المغرب قوامها الابتزاز السياسي واللعب على حبال أفكار وإيديولوجيات بائدة، خاصة إذا ما تمت مراجعة مختلف المواقف الفعلية والعملية التي اتخذها رئيس الحكومة بالمقارنة مع تصريحاته تحت قبة البرلمان أيام النضال من أجل الكرسي والاحتجاجات أمام البرلمان والمحاكم، لتدوين تاريخ كشف زيفه بمجرد إمساكه بالسلطة والتربع على رأس الحكومة”.
واسترسل: “حينها، لم يكن كم اللغط كالذي أثاره بنفسه الآن، ليأتي التسريب الصوتي الذي يضيف الزيت على النار، ويحول النقاش السياسي إلى ما يشبه مناكفات شعبية لا تعني المغاربة في شيء”، موردا أنه “حان الوقت لإيقاف هذا العبث السياسي، والرقي بالممارسة السياسية لمناقشة القضايا الجوهرية”.
وشدد المتحدث عينه على أنه “ينبغي اقتراح الحلول والعمل على المساهمة في تنفيذها؛ فلا أحد صار منشغلا بالسياسة التي يتصارع من أجلها هؤلاء طالما “كورونا” تجثم على أنفاس الجميع، وتجعل التفكير في القوت اليومي ومصاريف النفقات أهم بكثير من صراع الديكة على حلبة فارغة”.