علق خوسيه بيكي، وزير خارجية إسبانيا الأسبق، على حادث توجه عدد من الأشخاص من مختلف الأعمار لخوض غمار الهجرة غير النظامية من خلال الارتماء في عرض البحر للوصول إلى مدينة سبتة المحتلة والأزمة بين المملكتين، قائلا إن “المغرب جاء بنتائج عكسية في تحقيق الأهداف الوطنية التي يسعى إليها، إذ لا يوجد بلد مثل إسبانيا يمكن أن يخضع لتحد واضح في شكل ابتزاز”.
وتابع وزير خارجية إسبانيا الأسبق قائلا: “ما حدث غير مقبول، ويعقد إلى حد كبير أي تقدم في المجال السياسي والدبلوماسي فيما كان المغرب يسعى إليه منذ 45 عاما: التغيير في موقف إسبانيا بشأن الصحراء”.
وفي هذا الإطار، قال حسن بلوان، المتخصص في العلاقات الدولية والصحراء المغربية، إنه “منذ أن استقبلت إسبانيا المدعو إبراهيم غالي، زعيم الجبهة الانفصالية، والعلاقات المغربية الإسبانية تتهاوى إلى مستويات غير مسبوقة من الخلاف والتوتر، والمطبوع بردود الفعل والتصريحات المتشنجة خاصة عند الجانب الإسباني”.
وقال بلوان، ضمن تصريح لهسبريس، إن “المغرب ما فتئ، منذ اندلاع الأزمة، يسعى جاهدا إلى معالجة جذورها بتغليب لغة الحوار الدبلوماسي والتفاوض البناء وطرح جميع القضايا العالقة، وعلى رأسها قضية الصحراء؛ لكن إسبانيا ما زالت تناور وتزيد تصريحات مسؤوليها الحاليين والسابقين في تسميم أجواء العلاقات مع المغرب”.
وقال الخبير المتخصص في العلاقات الدولية والصحراء المغربية إن “استقبال زعيم انفصالي وإرهابي متابع في مجموعة من القضايا أمام القضاء الإسباني يضرب في الصميم الشراكة الإستراتيجية مع المغرب؛ بل هو اعتداء صريح على مصالحه العليا التي يمثلها ملف الصحراء، مهما كانت المبررات التي ساقتها إسبانيا في هذا الشأن، إذ إن خطاب الدواعي الإنسانية لا يقنع أحدا في المغرب ولم يعد يقنع أحدا في إسبانيا أو حتى في الاتحاد الأوروبي”.
وأفاد المتحدث بأن المتتبع للخطاب الإسباني لوزارة الخارجية السابقة والحالية “يظهر تمادي الموقف الإسباني في تبني خطاب يحن إلى الماضي الاستعماري ويضرب عرض الحائط عقودا وسنوات من التعاطي الإيجابي للمغرب في التعاون وحسن الجوار، الذي كلف المغاربة أثمانا باهظة وتداعيات مؤلمة داخليا وخارجيا”.
وأبرز بلوان أنه “أمام هذه التصريحات الإسبانية المتشنجة والتي تصب المزيد من الزيت فوق هذه العلاقة الملتهبة، رد المغرب بقوة على إسبانيا عبر سفيرته في مدريد كريمة بن يعيش”، لافتا إلى أن الخطاب القوي الذي خرجت به السفيرة المغربية يدحض مزاعم الخطابات والتصريحات الإسبانية ويكشف حجم التناقض في الموقف الإسباني البعيد عن المنطق.
وفي هذا السياق، أكد الخبير المتخصص في العلاقات الدولية والصحراء المغربية أنه “على غير عادة التصريحات الرسمية للدبلوماسية المغربية جاء تصريح السفيرة قويا ومباشرا يسمي الأمور بأسمائها، وذلك وفق ثلاث ملاحظات جوهرية”.
وقال المتحدث ذاته إن “المغرب يعتبر التصريحات المتشنجة للمسؤولين الإسبان توجها عاما للدولة معاديا للمغرب، ولا يمكن اعتباره مواقف أو أخطاء شخصية، وهنا مكمن الخطورة في العلاقات بين البلدين”.
وأفاد بأن “المغرب بدأ يفقد الثقة في الجارة الإسبانية التي هي أساس كل تعاون مثمر وجوار بناء بين البلدين، اللذين تربطهما ملفات عديدة وقضايا مصيرية”.
وأشار بلوان إلى أن “المغرب -حسب تصريح السفيرة- أحيط علما بالنوايا والخطوات الإسبانية، وسيتصرف على ضوء ذلك؛ مما يعني أن فصول الأزمة ما زالت مستمرة، وتتحمل إسبانيا تبعاتها”.
وقال الخبير المتخصص في العلاقات الدولية والصحراء المغربية إن “القوة والطريقة اللتين تدير بهما الرباط هذه الأزمة يشيران إلى أن تحولات عميقة طرأت على الدبلوماسية المغربية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالصحراء والسيادة المغربية، وهذا هو أصل النزاع على اعتبار أن الجهود التي قام بها المغرب من أجل تسوية الملف تصطدم بحاجز عدائي تشكله إسبانيا التي عارضت علانية القرار الأمريكي المتعلق بسيادة المغرب على أقاليمه الصحراوية، وهو الموقف المتشنج نفسه الذي عبرت عنه وزيرة الخارجية الحالية ووزير الخارجية السابق ووزيرة الدفاع ونائبة رئيس الحكومة الإسباني كارمن كالفو، فيما يشبه التواطؤ المكشوف للهجوم على المغرب والنيل من مصداقيته أمام الاتحاد الأوروبي والجهر بالعداء لمصالحه العليا في الصحراء المغربية”.
وشدد حسن بلوان، في التصريح ذاته، على أن “إسبانيا تتحمل مسؤولية كبيرة في ما وصلت إليه العلاقات مع المغرب، عبر هذه الهجمات التي تفتقد لأدبيات حسن الجوار بين البلدين. وفي المقابل، يؤكد المغرب بقوة أنه حريص وجاد في تنفيذ كل ما يلزم من أجل حماية مصالحه العليا وسيادته في الصحراء المغربية، ويضغط في مجموعة من الاتجاهات حتى تتبنى إسبانيا مقاربة متوازنة في هذا الملف الحيوي بالنسبة إلى المغرب والمغاربة”.