تواجه المملكة تحدّيات جيوإسراتيجية كثيرة وبالغة التعقيد مرتبطة بقضية الصحراء وتقاطبات منطقة السّاحل الإفريقي؛ وهو ما يحتّم “تحركا” مغربيا على أعلى مستوى لمواجهة إفرازات الوضع الجديد في المنطقة، ومحاولات خصوم الرباط اللعب بورقة الاستقرار لتقويض جهوده الرّامية إلى استتباب الأمن.
ومع تطورات الكركرات وتحركات الانفصاليين في المنطقة العازلة، واستمرار الخطاب المعادي للجارة الشرقية الذي يستهدف الأمن القومي للمغرب، تحركت دعوات إلى إخراج المجلس الأعلى للأمن إلى حيز الوجود، بعد “بلوكاج” دام سنوات.
وينصّ الفصل الـ54 من الدستور على إحداث مؤسسة جديدة لأول مرة تعزز مسار بناء السياسات الأمنية ببلادنا؛ فبمنطوق الفصل ذاته، فإنه يحدث مجلس أعلى للأمن، بصفته هيئة للتشاور بشأن إستراتيجيات الأمن الداخلي والخارجي للبلاد، وتدبير حالات الأزمات والسهر أيضا على مأسسة ضوابط الحكامة الأمنية الجيدة.
وفي السياق، أكد الدكتور هشام معتضد، الخبير في الشأن الإستراتيجي، أن التّحولات الإقليمية والوضع في الصحراء يمثّلان عاملين أساسيين يحتّمان على الدولة المغربية الدّفع بإخراج مؤسسة المجلس الأعلى للأمن إلى حيز الوجود، تماشيا مع مقتضيات الدستور من أجل التدبير السريع والمحكم للشأن الإستراتيجي المرتبط بالأمن الداخلي والخارجي للبلاد.
وأوضح المحلل ذاته أن التطورات الأخيرة في منطقة الساحل والصحراء والتحديات التي تعرفها منطقة شمال إفريقيا، خاصة تلك المرتبطة بالأطماع الاقتصادية ورهانات التأثير الإيديولوجي، كلها تحديات إستراتيجية لها ارتباط وطيد بمسألة الأمن القومي للمغرب.
واعتبر الخبير في الشأن الإستراتيجي أن الظرفية الراهنة تحتم أكثر من أي وقت مضى على الدولة المغربية تفعيل مقتضيات الفصل الـ54 من الدستور المغربي من أجل إخراج مؤسسة المجلس الأعلى للأمن إلى الوجود، لتدبير استباقي منسق لحالات الأزمات والسهر أيضا على مأسسة ضوابط الحكامة الأمنية الجيدة.
وشدد المحلل ذاته على أن المغرب بموقعه الإستراتيجي يواجه تحديات مختلفة، متشعبة ومركبة تحتم عليه ضبط بشكل كبير ودقيق حالات الأزمات وتدبير محكم واستباقي، بمقاربات متداخلة ومتكاملة، للاستراتيجيات المرتبطة بالأمن الداخلي والخارجي للبلاد.
واستطرد معتضد: “لذلك، فمأسسة ضوابط الحكامة الأمنية الجيدة يمكن اعتباره رهان المرحلة الذي يجب كسبه من أجل الحفاظ على العديد من المكتسبات الاقتصادية والاجتماعية ومواكبة التوجه التنموي الجديد للسياسات العمومية والخارجية للمغرب”.
وأوضح المصرح لهسبريس أن “المغرب اليوم، والذي يعتبر نافذة العالم الاقتصادية على إفريقيا والجسر الثقافي والجغرافي بين أوروبا والقارة الافريقية، لا يمكنه إنجاح وضبط دوره الإستراتيجي، خاصة في منطقة ذات أطماع خارجية وتستهدف استقرار المنطقة الأمني والاقتصادي، بدون مؤسسة دستورية أمنية قوية ومتجانسة على غرار المجلس الأعلى للأمن للسهر على إستراتيجيات الأمن الداخلي والخارجي للبلاد، وتدبير حالات الأزمات والسهر أيضا على مأسسة ضوابط الحكامة الأمنية الجيدة”.