باتت التعاونيات والجمعيات في العديد من المناطق القروية بإقليم تنغير، جنوب شرق المغرب، عنصرا مهما في إدماج المرأة القروية في النسيج الاقتصادي والاجتماعي، إذ أصبحت فئة كبيرة من النساء يتمتعن بدخل مالي، يساعدهن على توفير حاجيتهن، وحاجيات أسرهن، ومن ثمة التمتع بالاستقلالية المالية.
تعاونية بدر الحرفية بدوار أمان نوقيدار ضواحي تنغير واحدة من التعاونيات النسائية التي تعمل في مجالات النسيج والخياطة والصناعة التقليدية، والتي استطاعت من خلالها حوالي 25 امرأة من المناطق القروية تحقيق ذواتهن واستقلال مادي يقيهن حرج طلب المال من الأقارب، ويمكنهن من المساعدة في توفير تكاليف الحياة.
تأسست هذه التعاونية يوم 8 مارس سنة 2018، وهو التاريخ الذي يصادف كل سنة اليوم العالمي للمرأة، وتشتغل في مجالات النسيج والخياطة والصناعة التقليدية؛ وذلك بهدف المساهمة في رفع التهميش والعزلة عن النساء القرويات، وكسر قيود التي تعرقل تطور المرأة القروية.
أهداف تعاونية بدر الحرفية
فاطمة شجيري، رئيسة تعاونية بدر الحرفية بأمان نوقيدار، كشفت أن “التعاونية كانت بمثابة نافذة أمل أمام النساء القرويات، خاصة بمنطقة أمان نوقيدار، ليكسرن قيود العزلة ويرسمن طريق المستقبل من خلال تحويل أحلامهن في الاندماج الاجتماعي إلى حقيقة”، مشيرة إلى أن التعاونية غيرت حياة الكثير من النساء اللواتي عمق الفقر معاناتهن بسبب تحدرهن من أوساط تعاني الهشاشة والتهميش.
وتهدف التعاونية المذكورة إلى تطوير قدرات النساء العاملات داخلها، وانتشالهن من قوقعة الفقر والتهميش، ومساعدتهن على تحقيق أحلامهن في الاندماج الاجتماعي والاقتصادي، حسب فاطمة شجيري، موضحة أن النسوة العاملات بالتعاونية ينحدرن من وسط أسري محافظ، وساهمت وتساهم التعاونية في كسر حاجز التقاليد بالمنطقة عبر مساعدتهن على الانخراط في سوق الشغل، وفي الحصول على مورد للرزق.
وفي تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أكدت رئيسة التعاونية سالفة الذكر أن من بين الأهداف أيضا تشغيل حوالي 150 امرأة في الفترة الممتدة ما بين 2022 و2025، وذلك من خلال برنامج عمل جديد تشتغل عليه التعاونية مع شركائها حاليا، مضيفة أنها “ستعمل في القريب على تغيير الإطار والتحول إلى شركة من أجل توفير فرص عمل قارة لفائدة هؤلاء النسوة”، بتعبيرها.
وأوضحت شجيري أن الهدف الأول من تأسيس هذه التعاونية هو مساعدة النساء على الخروج من محيطهن المغلق، الذي فرضه المجال وتقاليد القبائل، مشيرة إلى أن المرأة القروية في حاجة إلى المزيد من المشاريع الاجتماعية والاقتصادية، سواء داخل الجمعيات أو التعاونيات، لانتشالها من الوضعية الصعبة التي تعيشها.
التعاونية منفتحة
تعمل تعاونية بدر الحرفية بأمان نوقيدار من أجل إيصال منتجاتها إلى جميع مناطق المغرب، إذ تتوصل من بعض المؤسسات الخاصة والعمومية من عدة أقاليم بطلبات للاستفادة من خدماتها، خاصة في ما يتعلق بألبسة العمل، ومواد من الصناعة التقليدية.
وفي هذا الصدد أكدت فاطمة شجيري أن التعاونية منفتحة على جميع الأقاليم بدون استثناء، وتطمح إلى تغطية جميع ربوع المملكة، مشيرة إلى أن عملها تراجع بشكل كبير خلال فترة جائحة كورونا، ما تسبب في عدة مشاكل مادية للنساء العاملات.
وأوضحت المتحدثة نفسها أن التعاونية لعبت دورا مهما في الحياة الاقتصادية والاجتماعية لفائدة النساء، مشيرة إلى أن هذا الدور يجب أن يعزز بدعم من المؤسسات الخاصة والعمومية للتعاونية، وتشجيعها على الاستمرار وتطوير العنصر النسوي المحلي، خاصة القروي منه.
ورغم الدور التي تلعبه هذه التعاونية النسوية، الكائن مقرها بمركز مدينة تنغير، في تنمية المرأة القروية حسب مجالات اشتغالها، مع المساهمة في إدماجها الاجتماعي والاقتصادي، فإن النساء اللواتي يشتغلن بها يعانين مشاكل كثيرة، خاصة في ما يتعلق بالتنقل من دوار أمان نوقيدار إلى تنغير.
وأكدت أمينة سعيدي، وهي من العاملات بالتعاونية سالفة الذكر، أن التنقل من وإلى مقر التعاونية يشكل عائقا كبيرا لعدد من النسوة، مشيرة إلى أن غالبيتهن من أسر محافظة، ما يجعل الأسر ترفض عملهن لغياب ظروف التنقل المريحة، ولافتة إلى أن “التعاونية فتحت المجال أمام النساء للمساهمة بدورهن في تحريك العجلة الاقتصادية بالمنطقة، لكن نتيجة هذه الظروف هناك احتمال كبير لتوقف بعضهن عن العمل”.
وطالبت المعنية بالأمر الجهات المسؤولة بتوفير وسيلة نقل لفائدة العاملات بالتعاونيات من أجل تسهيل تنقلهن من العمل نحو منازلهن، مشيرة إلى أن “الوضع الحالي يجعل حماية المرأة وتطويرها مجرد شعار لا ينفع العنصر النسوي بشيء”، وفق تعبيرها.
الإكراهات
تواصل التعاونيات بالجنوب الشرقي خاصة والمغرب عموما إثبات أهميتها كرافعة للنهوض بالعدالة الاجتماعية والتنمية البشرية من خلال إحداث فرص الشغل، والتقليص من الفوارق على مستوى الدخل، وتثمين الكفاءات، وذلك رغم مجموعة من الإكراهات التي تواجهها.
وتواجه عدد من التعاونيات بإقليم تنغير، ومن بينها تعاونية بدر الحرفية، مجموعة من الإكراهات، بسبب انعدام الإمكانيات المادية التي من شأنها إعطاء دفعة قوية لهذه التعاونيات التي تتخبط في دوامة من الصعوبات الهيكلية، ما يجعل تحقيق حلم النساء صعبا، وفق تعبير عاملة بالتعاونية الحرفية بدر.
وأوضحت المتحدثة نفسها، في تصريح لهسبريس، أن أهم إكراه يواجه تعاونية بدر الحرفية وباقي التعاونيات بالإقليم، بالإضافة إلى العائق المادي، هو التكوين، مشيرة إلى أن أغلب أو كل التعاونيات ينقصها التكوين في مجالات اشتغالها، بتعبيرها.
وأوضحت المتحدثة ذاتها أن تعاونية بدر الحرفية تعاني أيضا إكراهات أخرى تتمثل في جلب المادة الأولية للاشتغال، خاصة في ظرفية جائحة فيروس كورونا، مشيرة إلى أنها يتم جلبها من الدار البيضاء ومراكش، ما يسبب مجموعة من المشاكل، خاصة أثناء فرض شهادة التنقل الاستثنائية وتوقف التنقل عبر المدن.
من جهتها، قالت فاطمة شجيري، رئيسة تعاونية بدر الحرفية بأمان نوقيدار: “نعم هناك إكراهات في ما يتعلق بالمادة الأولية، لكن العائق الذي يواجه التعاونية وباقي التعاونيات هو التكوين”، مضيفة: “بدون تكوين لا معنى لوجود التعاونيات، ولا يمكن تطوير أداء المرأة في مجال اشتغالها”.