اعتبرت اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي أن وضعية القنب الهندي في المغرب متناقضة، فمن جهة يعتبر إنتاجه واستهلاكه غير قانوني، ومن جهة أخرى فإن المغرب أكثر منتج ومصدر لمخدر الشيرا (الحشيش) في العالم.
وذكرت اللجنة، في مذكراتها الموضوعاتية المرفقة بالتقرير العام حول النموذج التنموي المقترح والصادر الأسبوع الجاري، أن إنتاج “عشبة” القنب الهندي في المغرب بلغ سنة 2017 حوالي 35 ألف طن، استخرج منها 700 طن من “الحشيش”.
وتنتشر زراعة القنب الهندي، وفق المعطيات المنشورة من طرف اللجنة، عبر استغلاليات فلاحية صغيرة في منطقة الريف، تقدر مساحتها الإجمالية بـ50 ألف هكتار؛ في حين تعتبر زراعة هذه النبتة وتحويلها بطريقة تقليدية مصدر دخل رئيسي لحوالي 100 ألف أسرة.
وأشارت اللجنة، التي ترأسها شكيب بنموسى واشتغل فيها خبراء من تخصصات متعددة، إلى أن هذه الوضعية المتناقضة للقنب الهندي تشكل مصدراً لضعف الأمن القانوني والهشاشة الاقتصادية والتهميش الاجتماعي لفئة مهمة من المواطنين.
ويقدر عدد المزارعين المحكومين غيابياً بعقوبات قضائية بسبب القنب الهندي بحوالي 16 ألف شخص. ويؤدي التباين بين الإطار القانوني والواقع إلى مجموعة من الممارسات، كالضغط وتصفية الحسابات والرشوة، ليصبح المزارعون الصغار الحلقة الأضعف في سلسلة القيمة المتعلقة بالقنب الهندي، بينما يشكل المهربون المحرك الرئيسي والرابحون الكبار، نظراً لكونهم أقل ظهوراً وأصعب تتبعاً.
وبخصوص المستهلكين، تشير أرقام التقرير إلى أن معدل انتشار تعاطي القنب الهندي يتراوح بين 4 و5 في المائة من السكان البالغين، أي حوالي 700 ألف مستعمل. ويعد الشباب الفئة الأكثر تعاطياً للمخدر، إذ إن واحداً من بين 10 تلاميذ المدارس الثانوية يستعمله.
وقدر عدد الأشخاص الذين توبعوا بجرائم متعلقة بالقنب الهندي بأكثر من 70 ألفا سنة 2016، أي حوالي 12 في المائة من العدد الإجمالي للأشخاص المتابعين في قضايا جنائية، وهو ما يساهم في اكتظاظ السجون ويشكل عبئاً مالياً كبيراً على الدولة.
ويؤكد تحليل خبراء اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي أن الطابع غير المهيكل وغير القانوني لإنتاج القنب الهندي يشكل مخاطر وفرصة ضائعة للتنمية الإدماجية والمستدامة في المنطقة، فمن الناحية البيئية تستهلك المزروعات المياه بشكل متزايد بسبب الانتقال إلى أنواع جديدة من نبتة القنب الهندي، وكذلك بسبب زيادة استخدام السقي غير المراقب، إضافة إلى مخاطر التلوث والتعرية وإفقار التربية وإزالة الغابات.
ومن الناحية الاقتصادية، يتم الإنتاج والمعالجة بطريقة تقليدية، ويستهدفان السوق غير المشروع للمخدرات بدلاً من الاستعمالات القانونية التي يمكن أن تكون لها قيمة مضافة أكبر، كالاستعمالات العلاجية ومستحضرات التجميل والقطاع الصناعي.
ويحول الطابع غير القانوني لزراعة وإنتاج القنب الهندي الرأسمال الثقافي والتراثي للمنطقة، الذي يرتبط بالمهارات التقليدية، إلى عامل وصم يشوه صورة المنطقة وسكانها، في حين يمكن لهذا التراث، إذا حظي بالتثمين والتأطير، أن يمثل رافعة للتنمية الاقتصادية والجاذبية الثقافية.
بدائل اقتصادية وطموح مزدوج
في نظر خبراء اللجنة فإن هناك عدداً قليلاً من البدائل الاقتصادية المستدامة لفائدة المزارعين، فالتحول إلى زراعات أخرى ستكون تكلفته مرتفعة بسبب الخبرة التقنية التي طورها المنتجون، والدعم الذي يتلقونه من المهربين والمتاجرين الكبار.
وأشار التقرير إلى أن هناك بدائل اقتصادية يمكن أن تكون جاذبة، لاسيما تلك المتعلقة بالنباتات العطرية والطبية، لكن مستوى البحث والمعالجة الصناعية لهذه النباتات يظل محدوداً للغاية، ولا يسمح بخلق قيمة اقتصادية ذات جاذبية كافية.
أمام هذا الوضع، يطمح النموذج التنموي المقترح من طرف اللجنة إلى تطوير سلسلة إنتاج وتحويل القنب الهندي في منطقة الريف بشكل قانوني، بناءً على أبحاث علمية ذات جودة، وعلى الحفاظ على التراث الطبيعي والثقافي وتعزيزه، مع ضمان الأمن القانوني للمزارعين.
كما يشمل الطموح أيضاً تحقق تحول في تعامل الدولة مع استهلاك القنب الهندي من مقاربة عقابية بالأساس، قائمة على أساس التجريم وكعامل إقصاء اجتماعي، إلى مقاربة إدماجية تقوم على الوقاية والرعاية الطبية للمدمنين وإعادة إدماجهم.
ومن أجل تحقيق ما سلف من طموحات، يتوجب وفق تصور اللجنة تقليص الفجوة بين القانون والواقع في ما يتعلق بهذه الزراعة، من خلال اعتماد إطار قانوني واضح ومتجانس وملائم يؤطر الإنتاج وينظمه، وتشجيع البحث العلمي حول الموضوع ودراسة طرق تثمين التراث الطبيعي والثقافي والمرتبط بزراعته.
كما يتطلب الموضوع أيضاً جمع وتحديث البيانات المتعلقة بهذه الزراعة، واعتماد مقاربة وقائية أكثر فعالية لفائدة الحالات المعقدة من مستهلكي القنب الهندي، وإلغاء العقوبات السجينة ووضع عقوبات بديلة في ما يتعلق بالاستهلاك غير القانوني.
ودعت اللجنة في المقابل إلى مواصلة السلطات جهودها لكشف شبكات ترويج القنب الهندي وتفكيكها، معتبراً أنها ستستمر في توسيع نشاطها غير المشروع إلى مساحات جديدة أو تشجيع زراعات ممنوعة عن طريق تقديم مقابل مادي أكبر على سبيل المثال.
وحذرت اللجنة من إمكانية استمرار الإنتاج القانوني على الرغم من تقنين هذا النشاط في إطار احتكار الدولة، وهو ما يستلزم الحفاظ على مقارنة يقظة، ودعم الوسائل الأمنية والتعاون الدولي لكشف وتفكيك شبكات الترويج، إضافة إلى مكافحة الرشوة التي تسمح لهذا النشاط بالازدهار.