على مشارف مدخل مركز الجماعة الترابية “إداوكنيضيف”، بالدائرة الجبلية لإقليم اشتوكة آيت باها، تتراءى للزائر بناية محاطة بسور دائري فوق هضبة كأنها تشكل لوحة فنية غاية في الروعة. إنها قرية أو قصبة “تيزركان”، التي تكتسي أهمية تراثية وتاريخية في جبال الأطلس الصغير عامة، ومنطقة “إداوكنيضيف” خاصة.
أصل تسمية قرية “تيزركان” أو “تيزركين”، وفق عدد من الروايات الشفهية، يعود إلى كون الصخرة التي بنيت عليها هذه المعلمة تستعمل في صنع الرحى، وهو بالأمازيغية “أزرك”، وجمعه “إزركان”. فيما تذهب روايات أخرى إلى كون أشجار الأركان سائدة بوفرة في القرية، معتبرة إياها ممرا أو فجا، أي “تيزي ن واركان”، بمعنى ممر بين الأركان.
زائر هذه المعلمة التاريخية سينبهر دون شك بهندستها المعمارية والمواد الأولية المستعملة في بنائها، والتي منحتها صلابة ومتانة، جعلت أجزاء كثيرة منها تقف شامخة إلى حدود اليوم أمام عوادي الزمن، مشكلة تحفة معمارية فوق تلك الهضبة، تكتنز خبايا وأسرار حقبة تاريخية، وسمت منطقة “إداوكنيضيف” عامة، وقرية “تيزركان” خاصة.
في تصريح لهسبريس، قال خالد ألعيوض، أستاذ باحث في التراث، إن “الروايات الشفوية تتحدث عن أن تاريخ “تيزركان” يعود إلى 6 قرون، وهي تستوحي هندستها المعمارية مما هو معروف عن مناطق الأطلس الصغير، حيث يعتمد هذا البناء التقليدي على المناعة والتحصين، وهي عبارة عن قلعة فوق مرتفع مكون من قلعة تحيط بها أسوار وبداخلها 29 منزلا وحصن صغير “أكادير” لتخزين الحبوب”.
الوصول إلى هذه المعلمة ليس يسيرا، إذ هناك نحو 160 درجا ينبغي صعودها، وهو ما يفرض على زائر المنطقة التوقف فترات من أجل الاستراحة والتقاط الأنفاس قبل بلوغ الباب الرئيسي للقصبة، وهو ما يجعلها فريدة على المستوى الوطني، إذ يقول ألعيوض: “لا أعتقد أنه يوجد مثلها بهذه الفرادة والخصوصيات”.
وكانت وزارة الثقافة في حكومة عبد الرحمان اليوسفي قد التفتت إلى هذه المعلمة، وأخضعتها لعملية الترميم. “كان ذلك التفاتة من قبل أحد المناضلين الكبار، ابن قرية “تيزركان”، عباس بودرقة، حيث شمل الترميم الأسوار الخارجية والممرات وحتى بعض المنازل الخاصة”. واليوم “يستغل جزء منها كمأوى سياحي، يغري بالإقامة والاطلاع على جزء من تاريخ المنطقة”.
هي إذن معلمة ضمن المعالم الأثرية التي يزخر بها إقليم اشتوكة آيت باها، وهي تشكل استثناء من حيث مكان تشييدها وطريقة بنائها ومرافقها، فضلا عن مقاومتها لعوامل الانهيار، حيث أبت إلا أن تقف شامخة لمواصلة التعريف بجزء من تاريخ “إداوكنيضيف” في حقب تاريخية غابرة، وتكون موضوعا للدارسين والباحثين في مجال التاريخ والتراث.
وفيما تعذر استقاء رأي رئيس المجلس الجماعي لـ”إداوكنيضيف”، مولاي مسعود أكناو، حول دور الجماعة المحلية في الارتقاء بهذه القرية التاريخية في مجال الترميم والاستغلال السياحي والثقافي، تبقى الإشارة إلى أنها تشكل مزارا، غير أنه لم تسوق بما فيه الكفاية، كما ينبغي القطع مع إغلاقها المتواصل في وجه العموم لتشكل دفعة للسياحة المحلية والتنشيط الثقافي.