على ارتفاع حوالي 600 متر، تقبع ثازوضا، الواقعة بجماعة إحدادن بإقليم الناظور، شامخةً على إحدى قمم جبل كوروكو، لتشهد مآثرها الأثرية الصامدة منذ قرون على مراحل تاريخية مهمة منذ الحضارة الأمازيغية، وصولا إلى العصر الراهن، ومرورا بالفترة الاستعمارية الإسبانية التي وسَمت الذاكرة الجماعية لسكان الريف.

ثازوضا، التي منحها الموقع الاستراتيجي الذي تحتله مظهرا مهيبا في أعلى قمة الجبل، تعد واحدةً من أهم المدن التاريخية الأثرية القديمة، التي رغم أهميتها كمزار ووجهة سياحية لكثير من عشاق النزهات الجبلية، ما زالت لم تحظَ بعد بالعناية اللازمة والتفاتة الجهات المسؤولة وفرق البحث في البيئة والتاريخ والأركيولوجيا.

أصل تسمية ثازوضا

اختلفت الآراء حول أصل تسمية “ثازوضا”، والشائع منها يذهب إلى أنها كلمة أمازيغية، وأنها جمع كلمة “ثازطا”، التي تطلق على نبات السدرة الشوكي، وهو نبات يستعمل كسياج لحماية الحقول والأراضي والممتلكات ورسم حدودها ومنع تسلق الغرباء.

على خلاف ذلك، يذهب يزيد الدريوش، الباحث في تاريخ الريف، إلى أن “ثازوضا من الكلمات الحية في المعجم الأمازيغي، وما زالت مستعملة في الكثير من المناطق، وتعني الصحن والطبق”، مشيرا إلى أن “الموقع الجغرافي الذي تحتله ثازوضا يشبه إلى حد كبير الصحن، لذلك أطلقت كلمة “ثازوضا” على المنطقة على سبيل الشبه الموجود بينهما، وهذا شائع في إطلاق الأمازيغ الأسماء على بعض الأمكنة لوجود الشبه، على غرار “ثيطاوين” على مدينة تطوان، لأن موقعها يشبه عيونا تنظر إلى البحر”.

 ثازوضا.. 200 سنة قبل الميلاد

تحتفظ منطقة ثازوضا بذاكرة تاريخية تعود إلى 200 سنة قبل الميلاد، إذ كانت مدينة زاهرة على عهد الملك يوغرطة، أحد ملوك الأمازيغ بمملكة نوميديا. يقول يزيد: “شكلت ثازوضا، حسبما أورده المؤرخ الروماني سالوست في كتابه “حرب يوغرطة”، مأوى ليوغرطة، الذي هرب من الصراع الذي نشب بينه وبين أبناء عمومته، بقيادة الملك ماسينيسا الذي استنجد حينذاك بالرومان لنصرته”.

ويضيف الباحث في تاريخ الريف “قضى الرومان على نفوذ يوغرطة في نوميديا، فهرب إلى صهره ميسور، الذي كان قائدا على منطقة ثازوضا حينذاك، لكن الرومان توصلوا إلى مكانه، فتم إلقاء القبض عليه ومحاكمته”.

ثازوضا في العهدين المريني والوطاسي

يقول جمال بوطيبي، الباحث في التاريخ والآثار، “سميت ثازوضا بحصن بني مرين استنادا إلى إشارة قصيرة واردة عن ابن البناء المراكشي”، مضيفا أن “دخول المرينيين إلى إقليم كرت تم، بالإجماع، سنة 609 هـ، وحينها اتخذت ثازوضا عاصمة للريف الشرقي طوال القرن السابع الهجري، بزعامة الوطاسيين وقيادة مرينية”.

ويضيف قائلا: “ظل حصنها مركزا حربيا يحتوي على مخازن للحبوب ومستودع للجبايات، ومن أجل ذلك خصص المرينيون عناية كبيرة لثازوضا وغساسة في القرنين السابع والثامن الهجريين، حينما برزت انعكاسات أحداث الأندلس على القلوع سنة 887 هـ، فتوافدت الأسر إليها هروبا من الأندلس، حسبما ذكره الباحث المؤرخ فرناندو دي فافرا”.

 قلعة ثازوضا.. عيون الاستعمار الإسباني

أما قلعة ثازوضا، التي عُرفت بها المنطقة حاليا، فيعود تاريخ بنائها بالضبط إلى الثاني من شهر أكتوبر سنة 1909 على يد الإسبان الذين شيدوها لأغراض استراتيجية حربية. يقول يزيد: “بنى الإسبان قلعة أو برج ثازوضا، إلى جانب أبراج أخرى في المناطق المجاورة لمراقبة النشاط الجهادي للمقاومين”.

ويتابع الباحث قائلا: “اختار الإسبان المنطقة لتشييد قلعة ثازوضا، التي أطلقوا عليها اسم “فورتيل”، بسبب موقعها الاستراتيجي، الذي يسمح بمراقبة الطرقات والمسالك الجبلية والمناطق القريبة والنائية، التي كان يتخذها المقاومون منطلقا لهم لشن هجماتهم على المستعمر الإسباني”.

 ثازوضا والمقاومة الريفية

كانت ثازوضا أول منطقة اجتمع فيها المقاومون الريفيون، بقيادة الشريف محمد أمزيان، لوضع الخطط الحربية في مقاومة الاستعمار الإسباني، على غرار جبل القامة بتمسمان، الذي اجتمع فيه محمد بن عبد الكريم الخطابي مع رفاقه في بداية عهده بالمقاومة.

يقول يزيد: “يشكل الجبل مكانا مقدسا عند الشعب الأمازيغي، لذلك كان مأوى سكنهم واجتماعاتهم والتداول في أمورهم الخاصة، وكذلك لممارسة بعض الطقوس الدينية وغيرها، لاعتقادهم بأنه أقرب مكان للسماء. فكان اجتماع المقاومين بمنطقة ثازوضا إحدى الوسائل الاستراتيجية للابتعاد عن عيون المراقبين من جهة، وكذلك كنوع من الالتزام بثقافة الأجداد في مثل هذه الأمور من جهة ثانية”.

وزارة الثقافة تصنف ثازوضا منطقة أثرية

صنفت وزارة الثقافة، في القرار رقم 2674.14 الصادر بتاريخ 17 يوليوز 2014، والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 18 سبتمبر 2014، ثازوضا منطقة أثرية بناء على القانون 22.80، المتعلق بالمحافظة على المباني التاريخية والمناظر والكتابات المنقوشة والتحف الفنية.

وقد خلف القرار إشادة كبيرة من قبل الفاعلين الجمعويين والمهتمين بالشؤون العامة لإقليم الناظور، إذ بموجب ذلك أصبحت المنطقة محفوظة وفق القانون.

القرار كما هو منشور في الجريدة الرسمية، نص على عدم تغيير المكونات التراثية المتواجدة بمنطقة ثازوضا وفق التصميم المحدد، أو ترميمها أو إدخال أي تغيير عليها ما لم تعلم بذلك وزارة الثقافة قبل التاريخ المقرر للشروع في الأعمال بستة أشهر على الأقل.

يقول مصطفى الجاري، وهو فاعل جمعوي وأحد ساكنة المنطقة ويقيم بالديار الهولندية، إن “تصنيف ثازوضا منطقة أثرية من قبل وزارة الثقافة هو إنصاف للمنطقة الحافلة بالتاريخ وبالكنوز الأثرية من جهة، وقطع للطريق على مختلف سماسرة العقار ومستغلي الفرص لإنشاء المشاريع السياحية المدرة للدخل من جهة أخرى”، مضيفا “الآن أصبحت المنطقة محفوظة وآمنة، ونرجو أن تأخذ حظها من العناية والاهتمام”.

 مدينة مطمورة تحت الأرض

على الرغم من المكانة التي تحتلها ثازوضا في الذاكرة التراثية بمنطقة الريف، ومعرفة الجميع بأنها مأوى حضارة قديمة تعود إلى مئات السنوات قبل الميلاد، فهي تعاني من قلة الاهتمام وغياب الدراسات الأثرية.

يقول الدريوش: “كشف لصوص الآثار، في وقت سابق، مدينة مطمورة تحت الأرض، وظلوا يحفرون في سبيل الوصول إلى الكنوز الأثرية لسرقتها، لكنهم عثروا على أعمدة وأسوار تشهد بأن حضارة قديمة ضربت بجذورها في هذه المنطقة، وتحتاج إلى عمليات تنقيب أركيولوجية للوقوف على التاريخ المجهول للمنطقة”.

وعن آثار المنطقة، يقول بوطيبي: “قبل سنوات قليلة، اكتشف بمنطقة أزرو همار، القريبة من ثازوضا، تصميم معماري مميز ورسوم أثرية، تكشف عن حضارة قديمة لسكان المنطقة، وقد تكون نقطة هامة في تاريخ شمال إفريقيا، وتحتاج عمليات التنقيب حاليا إلى توسعة نشاطها لتشمل مختلف المناطق على مستوى سلسلة جبال كوروكو الغنية بالتاريخ والحضارة”.

ثازوضا.. وجهة سياحية

يقصد المنطقةَ بشكل يومي المئات من الزوار، الذين تستهويهم المناظر الطبيعية الخلابة، ويعقد عشاق النزهات الجبلية رحلات منتظمة، خاصة في نهاية الأسبوع، للاستجمام والاستمتاع بجمال الطبيعة وتسلق الجبال وقضاء أوقات ممتعة في اكتشاف البنايات والآثار المتواجدة بالمنطقة”.

يقول محمد بنتلا، وهو فاعل جمعوي وأحد منظمي الرحلات الترفيهية بالناظور، إن “منطقة ثازوضا تعتبر من أهم المناطق التي تعرف توافد عدد من السياح في رحلات شخصية أو جماعية منظمة من قبل أصدقاء أو عائلات أو باحثين طلبة وغيرهم. إن مناظرها الجميلة، وطبيعتها الجبلية الرائعة، وهواءَها النقي، وموقعها الاستراتيجي… كل ذلك يستهوي عشاق السياحة والترفيه، لتظل على مدار الأسبوع نابضة بالنشاط السياحي”.

مطالب للعناية بالمنطقة

لا يفتأ باحثون ونشطاء وفاعلون جمعويون يطالبون بضرورة إيلاء الأهمية اللازمة لمنطقة ثازوضا، وحمايتها من التخريب والاستغلال واللصوصية، في أفق تحويلها إلى وجهة سياحية أثرية قد تنجح في استقطاب عدد كبير من السياح داخل وخارج إقليم الناظور.

يقول يزيد إن “المنطقة حافلة بالتاريخ والحضارة والآثار، إضافة إلى جمال طبيعتها ومناظرها الخلابة وموقعها الاستراتيجي، مما يجعلها جديرة بأن تستأثر باهتمام المسؤولين في البلاد، وكذا فرق البحث الأركيولوجية، لعل ذلك يكشف لنا أسرارا ما زالت مجهولة ومطمورة في جنبات ثازوضا”.

hespress.com