يزخر التراث الوثائقي المغربي، وخاصة منه المخطوط، بأعمال أرّخت لمختلف الأوبئة التي شهدها المغرب على مر العصور؛ غير أن هذا الموروث ظل حبيس الكتب، وجاءت جائحة فيروس كورونا لتؤكد ضرورة إعادة تسليط الضوء عليه، والاستفادة من ذخائره.

من هذا المنطق جاء تنظيم مائدة مستديرة حول موضوع “التراث الوثائقي في زمن الأوبئة – دروس من التاريخ”، من طرف اللجنة المغربية لذاكرة العالم، بتنسيق وتعاون مع المكتب الجهوي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، أكد المشاركون فيها على ضرورة استثمار هذا التراث الوثائقي، علميا وثقافيا، وإتاحته للجمهور الواسع عبر الوسائل التقنية الحديثة.

وفي مستهل اللقاء المنعقد في قاعة با حنيني التابعة لوزارة الثقافة بالرباط، أكد رئيس اللجنة المغربية لذاكرة العالم أن أزمة جائحة فيروس كورونا، التي مازالت ترخي بظلالها على العالم، تحتّم استشراف ما بعدها، من أجل غد أكثر يقظة وحذرا، عبر استثمار مختلف الوسائل لاحتواء مختلف الأوبئة، والاستفادة من التجارب التي مرّت بها البشرية على هذا الصعيد.

وأبرز المتحدث أن التراث الوثائقي يمثل مرجعا لمعرفة السبل التي كان الأسلاف يتعاطون بها مع الأوبئة التي عاصروها، داعيا إلى إخراج الرصيد المتوفر من الرفوف وتوسيع نطاق تداوله، وذلك بتوظيف المهارات التقنية والتكنولوجية في مجال التواصل من أجل تسهيل الوصول إلى المعلومات وإرساء فضاءات رقمية حرة تتيح الاطلاع على ذخائر التراث الوثائقي المتوفر.

من جهته قال عبد الإله عفيفي، الكاتب العام لقطاع الثقافة بوزارة الثقافة والاتصال والشباب والرياضة، إنّ موضوع التراث الوثائقي في علاقته بالأوبئة يكتسي أهمية بالغة ويتسّم بالجدية والراهنية، خاصة في ظل الظرفية الحالية التي تتسم بالتأثيرات السلبية لجائحة فيروس كورونا على مختلف مناحي الحياة العامة.

وأكد عفيفي أن التراث الثقافي عموما والمخطوط خصوصا له القدرة على التأثير في الحاضر والمستقبل، ومدّ الأجيال الحالية واللاحقة بمعطيات دقيقة تستقي منها الدروس والعبر للوقاية والحماية من الأمراض والأوبئة الفتاكة، لاسيما في ظل الجهود المتواصلة المبذولة من أجل تجاوز جائحة فيروس كورونا.

واستطرد المتحدث ذاته بأن المغرب أوّلى عناية فائقة للتراث المخطوط منذ السنوات الأولى للاستقلال، إذ أحدثت مؤسسات وطنية أوكلت إليها مهمة صيانة المخطوطات، إضافة إلى القيام بعدد من المبادرات، كإحداث جائزة الحسن الثاني للمخطوطات، التي أتاحت للعموم الاطلاع عليها، بعدما ظلّت لقرون ملْكا شخصيا للأسر المغربية بعيدا عن التداول والتحقيق من قبل الدارسين وأهل الاختصاص.

ونوّه الكاتب العام لقطاع الثقافة إلى أن المستجدات والطفرات النوعية التي يعرفها عالم التكنولوجيا في ميادين التواصل تستطيع إعادة النظر في طرق توظيف التراث المخطوط، مع التفكير في بدائلَ جديدة للتعامل مع الذخائر الثقافية عن طريق الرقمنة.

في السياق ذاته شدد المدير العام لمكتب منظمة التربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) بالرباط على الأهمية القصوى التي ينبغي أن تحظى بها صيانة التراث الوثائقي، معتبرا أنّ الإنسانية تتكون من موروث واحد تنبغي إتاحة الولوج إلى ما هو متوفر منه من رصيد وإتاحته للعموم.

واستعرض المسؤول ذاته عددا من الإجراءات التي اتخذتها “اليونسكو” من أجل حماية التراث الوثائقي من المخاطر التي تتهدده، لافتا إلى أنّ هذا التراث يظل هشا، أيا كانت الحوامل التي سُجل عليها، وهو ما يحتم على الدول تعزيز حمايته عبر استغلال وسائل التكنولوجيا الحديثة لصيانته.

وخلال اللقاء عُرضت مجموعة من المؤلفات التي ألفها الأسلاف حول الأوبئة، منها “تحصيل غرض القاصد في تفصيل المرض الوافد”، لابن خاتمة، و”شفا القلب المحزون في بيان ما يتعلق بالطاعون”، لمحمد بن عبد الرحمان القرشي الدمشقي الشافعي، و”إصلاح النية في المسألة الطاعونية أو الدر المكنون في مسألة الطاعون”، لأبي عبد الله محمد بن جعفر بن محمد يوسف الأسلمي.

hespress.com