الجمعة 21 ماي 2021 – 14:12
دعك من كل جرائم القتل التي وقعت مؤخرا في آسفي، وانظر إلى كمية الحقد، إن استطعت، في “مجرم” صورته كاميرا رديئة، وهو ينهال عشرات المرات بسكين من الحجم الكبير على جسد الضحية الذي كان قاب قوسين أو أدنى من مغادرة الحياة.. دعك من الشهادات التي تبرئ “المجرم” والشهادات التي تبرئ الضحية، وخذ فكرة عن هذا النوع من المواطنين الذين يحسمون صراعاتهم خارج دوائر القانون بوسائل بدائية..
تفوق مجرم آسفي، الذي تحول إلى نجم مواقع التواصل الاجتماعي، بغض النظر عن الدوافع، على “داعش” في طريقة التنكيل بالضحية.. وعلى الرغم من أن جريمة مثل هاته لا يمكن تبريرها، فإن بعض “الآسفيين” قد تسابقوا لتبرير القتل بينما الضحية مضرجة في دمائها داخل مستودع الأموات؛ بل إن بعض الشهود وما أكثر الذين شهدوا، على مواقع التواصل الاجتماعي، قالوا إن الجاني تمكن من ركوب سيارة الإسعاف رفقة الضحية، وواصل التنكيل بالجثة، على طريقة أفلام الرعب، والسيناريو الشبيه بسيناريوهات الأفلام، يتضمن أيضا حسابات قديمة، وقضية تحرش وربما أكثر..
بعض مرهفي الحس الذين شاهدوا لقطات من جريمة آسفي لم يتوقفوا عن البكاء، وهو بكاء على الذات قبل أن يكون بكاء على الضحية، بكاء على هذا السقوط المجتمعي الذي بات يحاصر كل شيء جميل في هذا الوطن؛ فـ”الجاني” ليس سوى واحدا من “جناة” مفترضين، يمتلكون النظرة الحاقدة نفسها، وينتظرون اللحظة المناسبة للانتقام والتخريب.. فهؤلاء لم يتم إدماجهم داخل المجتمع المنشود، إنهم يصنعون مجتمعا على الهامش، دستوره الفوضى وروحه هي الحقد..
آسفي مدينة جميلة؛ لكنها تعاني في صمت، تحت وطأة غول الإجرام، الذي يجثم على الأحياء الشعبية، وهو الغول نفسه الذي يجثم على مدن أخرى، مستغلا السقوط المدوي للقيم.. ومثل هذه الجرائم هي تجل واضح للجهل الكبير وانعدام الوعي وانعدام الضمير، وقد ارتكبت الجريمة أمام الناس، دون أن يتدخلوا لإنقاذ إنسان من بني جلدتهم، وقد كان يقاوم من أجل البقاء في اللحظات الأخيرة؛ لكنه بدا مثل الفريسة، التي استفرد بها الذئب، في مشهد من عالم الحيوان.
إن مثل هذه الجرائم ومثل هذا الجاني هو ما يفرض تأجيل كل النقاشات إلى إشعار لاحق.. فالمعركة اليوم هي معركة بناء الإنسان، فلا وطن بدون مواطنين، ولا مواطنين بدون قوانين.. وعلى الرغم من أن هذه الجريمة تشكل استثناء فإن الوقت قد حان لدق ناقوس الخطر من أجل تدارك ما يمكن تداركه.. كيف يمكن بناء دولة بينما بعض المواطنين يواصلون “التبضع” بشكل همجي من الشارع العام بدل الأسواق؟ كيف يمكن الاطمئنان على الممتلكات والأرواح وفي الوقت الذي يشترك المواطنون الأبرياء العزل الهواء نفسه والماء نفسه والفضاء نفسه مع حاقدين، يمكن أن يتحولوا في أي لحظة إلى مجرمين؟..
إن واجب الدولة في هذه الحالة هو الجنوح إلى أقصى درجات الردع العام، ومن واجب المواطنين الانخراط هنا والآن في معركة “بناء الإنسان”، وما أحوجنا إلى الإنسان المواطن في هذه الظروف..