لا شيء يوقف المحتالين الرقميين الذين يقتاتون على “الصفقات الجيدة” والعروض الترويجية الاستثنائية بهدف ملء حساباتهم البنكية؛ فتجدهم يتوسلون تارة بإعلانات وهمية ومنتجات لا يتم تسليمها مطلقا، وتارة أخرى بعمليات سحب تعسفية من البطاقات البنكية.
لقد كان الاحتيال عبر الأنترنيت حاضرا، منذ إنشاء هذا العالم الافتراضي؛ غير أن هذه الممارسات الإجرامية اتخذت بعدا مثيرا للقلق بفضل وسائل التواصل الاجتماعية وما يسمى بالمؤثرين؛ سفراء العلامات التجارية الجدد الذين يقدمون المشورة والمنتجات التي لا علم لهم بها، والتي لا ترقى جودتها إلى التوقعات.
ومن أجل زيادة حجم مبيعاتها، فإن الشركات المتخصصة في البيع عبر الإنترنيت مستعدة للدفع مقابل الحصول على تصنيف أفضل في مواقع مقارنة المنتجات، سواء من حيث الجودة أو السعر.
زيادة على ذلك، تستخدم مواقع التجارة الإلكترونية هاته وسطاء لتنظيم سداد أثمنة المشتريات مقابل المراجعات التقيمية المحفزة على المواقع.
وتتميز مواقع التسوق الإلكترونية عن بعضها بعدد النجوم والتعليقات التي يكتبها المستخدمون، فضلا عن المنصات المختلفة التي تقارن جودة الخدمة والسعر في هذه المواقع. وبفضل هذا التصنيف، تتغير فهرسة الموقع على محركات البحث والمقارنات.
وأجرى العديد من المتخصصين دراسات استقصائية حول الموضوع، وقاموا بدراسة سلوك الزبناء والمشترين بناء على التعليقات والتصنيف، من أجل تحديد تأثير وأهمية ذلك على سلوك الزبناء واتجاهاتهم الاستهلاكية.
أما نتيجة التحقيق فهي غير قابلة للجدل، حيث يجري الزبون تحويلا ماليا وهو في اطمئنان تام عندما يتعلق الأمر بموقع أو علامة تجارية تتلقى عددا كبيرا من التعاليق وتنشر صورا حقيقية لمنتوجاتها، يبعثها زبناء “راضون” وتتوفر على مصلحة زبناء نشيطة.
وبعد عدد من الدعاوى والشكايات، قررت هذه المواقع تعزيز سياسة البيع وردود الزبناء حول تجربتهم؛ فعلى سبيل المثال اختار موقعا “بوكينغ” و”اير بي ان بي” أن يستقيا آراء الزبون بعد الأداء وتأكيد المستضيف لنزول هذا الزبون بالمحل، وهي طريقة أظهرت نجاعتها في البداية، لكنها تظل موضوعا لعدد من النقاشات، فالإنسان يجد دوما طريقة للتحايل على الآلة واستغلالها في مصلحته.
ويعمل بعض مهنيي الفندقة إلى تسجيل أنفسهم كزبناء ويقومون بأداء الفاتورة على “بوكينغ” للتمكن من نشر رأيهم وبالتالي رفع نقطة تصنيفهم لتحسين تقييمهم على هذه المنصة، وسرعان ما تراجع الاعتماد على هذه الممارسة بسبب تكلفتها الكبيرة والمجهود الذي تتطلبه للربط من حاسوب مختلف باستعمال بطاقة بنكية مختلفة عند كل عملية نشر رأي كاذب.
وأجرت “فرانس أنفو” تحقيقا عبر اختراق مجموعة تطلق على نفسها اسم “أ م ز”، وتضع سهم شعار “أمازون” صورة لها على “فيسبوك”، لتكتشف مجموعة من الصور الخاصة بالمنتوجات التي تم بيعها على “أمازون”: أجهزة حاسوب، ومنتوجات للتجميل والرياضة، مرافقة باسم المنتوج والجملة التالية: “تعويض كلي من طرف بايبال”، ويترك وسطاء تعليقات زائفة حول المنتوجات مقابل تعويض كامل.
أما السؤال الذي يطرح بهذا الخصوص، فهو إلى أيّ حد تبقى هذا الممارسات قانونية؟
في سنة 2016، كانت شركة “أمازون” قد منعت هذه الممارسة، التي تتطوّر في مناخ تزداد فيه صعوبة فرض أيّ نوع من الرقابة أو التدابير التقييدية، أكثر فأكثر.
ويزيد فقدان الثقة، بسبب عدم احترافية بعض مصالح الزبناء، من مخاوف عدد غير يسير من الزبناء.
وفي هذا الصدد، قال دافيد بروسيربيو، أستاذ مساعد في التسويق بجامعة كاليفورنيا الجنوبية: “تذهب دراستنا إلى أن التعاليق الكاذبة تهم، على الخصوص، المنتوجات التي تبدو ضعيفة الجودة؛ لأن معطياتنا تظهر أنه بمجرد توقف البائعين عن إرجاع تكاليف الطلبيات، يأخذ متوسط نقط منتوجاتها في التراجع بنسبة كبيرة”.
وتقوم “أمازون”، إحدى الشركات الرائدة في التجارة الالكترونية، بتحليل الـ10 ملايين تعليق التي تخص منتوجاتها أسبوعيا، اعتمادا على أفضل الممارسات في مجال الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، وتبقى هذه الجهود مشرفة على العموم؛ لكنها لا تفي بالغرض أمام جشع البائعين.
وبالمغرب، تركز الترسانة التشريعية التي تم وضعها خصوصا على الجريمة السيبرانية، وهو مجال يجمع بين التزوير الرقمي والاختلاس، والتلاعب، التي تنتشر على مواقع التجارة الإلكترونية المغربية، ما يعني أن التهم مشروطة برفع دعوى قضائية، وهي مسطرة نادرا ما يسلكها الشباب في ظل إغفالهم عن خطورة العالم الرقمي، وافتقادهم لتربية من الجيل الجديد (2.0).
وقد سبق لإيطاليا إدانة محتال إلكتروني من ذوي السوابق العدلية بسنة سجنا نافذا. أما بفرنسا فأيّ شخص ينشر تعليقا كاذبا مقابل المال فهو معرض لعقوبة مالية تصل إلى 1,5 ملايين أورو.