بعد قطع مسافة 30 كيلومترا انطلاقا من مدينة سطات عبر الطريق الجهوية رقم 308، التي عرفت إعادة تهيئة وتوسعة في اتجاه البروج، بعدما كانت تنعت بـ”طريق الموت” بسبب كثرة الحوادث، التي تراجعت نتيجة المراقبة الطرقية ووضع رادارات ثابتة…تظهر الجماعة الترابية “كيسر” أو” قيصر” أو “جيسر” أو “إيجسر”، وهي التسميات التي كانت تُغير من قبل ساكنة المنطقة، وهناك من يرجعها إلى الحقبة الرومانية، كما أنها أخذت اسما عربيا ثم تغيّر إلى اسم أمازيغي عند تغيّرت ساكنتها من عرب إلى أمازيغ، حسب روايات عدة أغلبها غير موثق.
وتقع قيصر على سهل منبسط تربته خصبة، بقبيلة أولاد سيدي بنداود، نسبة إلى جدها سيدي محمد بن داود، المنسوب إلى الأدارسة، وهناك من المؤرخين من ينسبه إلى أولاد بوزيري الصنهاجيين، وقد توفي في حدود 935 هـ، الموافق لـ1528م، ودفن في تادلة قرب «غرم العلم». وتقول الروايات المحلية إن سيدي بنداود قدم من الساقية الحمراء.
عند الوصول إلى المركز يستقبلك شبان وأطفال يعرضون رزما من النعناع للبيع، وأدخنة محالّ الشواء تتصاعد في الهواء هنا وهناك… وبعد مرورك على ضريح “مول الكرمة” يثير انتباهك بناء حديث يشبه القلعة يؤرخ للمتصوّف ابن عربي، الذي شرّف منطقة “كيسر” عندما زار المغرب آخر مرة سنة 597 هجرية.
وارتقى ابن عربي بـ”كيسر” إلى أعلى مقام في التصوف، ألا و هو “مقام القربة”، واصفا إياها (أي كيسر) بـ”المنازل المعتبرة”، في موسوعته المشهورة “الفتوحات المكية”، ومكث فيها أياما عدة حتى حصل فيها على أكبر لقب، وهو لقب “مقام القربة” في التصوف، ثم رحل إلى المشرق سنة 598 للهجرة الموافق لـ1201 ميلادية.
مجزرة عصرية تثير احتجاجات
أثار إنشاء مجازر عصرية بالسوق الأسبوعي “كيسر” ترحيبا من قبل التجار والوافدين على السوق، في حين نظم عدد من ساكنة جماعة بني يكرين المجاورة احتجاجات على طريقة تدبير النفايات الصادرة عن هذه المجازر، معبرين عن تخوفاتهم من آثارها البيئية والصحية.
جرموني بوعزة، رئيس جمعية التنمية والتعاون القروي بني يكرين، تساءل في تصريح لهسبريس عن الجهة التي سمحت بمرور قناة الصرف الصحي القادمة من سوق كيسر ومجازره الجديدة، محملة بمختلف النفايات، في اتجاه منطقة بني يكرين، وهو ما سيؤثر على المنتجات الفلاحية والفرشة المائية وصحة الساكنة القريبة، فضلا عن سكان جماعات أخرى كالثوالث التي ستخترقها القناة.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن “الواد الحار” القادم من مجازر سوق كيسر يهدد صحة ما يقارب 18 ألف نسمة، منها شيوخ وأطفال ومرضى، فضلا عن مروره بالقرب من المدارس والحقول الفلاحية، التي يعتمدها السكان مصدرا أساسيا لعيشهم، واسترسل: “إذا كان ملك البلاد نصره الله يلقح شعبه مجانا ضد كورونا فإن هؤلاء جلبوا لنا نوعا آخر من كورونا”، في إشارة إلى التأثيرات المحتملة لقناة الصرف.
وأوضح الفاعل الجمعوي ذاته أن عددا من السكان نظموا احتجاجات، وتضامنت عدد من الفعاليات الجمعوية معهم، مطالبا بتوضيحات من الجهات المعنية حول الوضعية القانونية لمرور القناة من منطقة بني يكرين، ومشيرا إلى أن جمعيات المجتمع المدني ستدخل في احتجاجات قانونية تدريجية يمكن أن تصل إلى العاصمة الرباط، في حالة عدم حل المشكل على المستوى الإقليمي أو الجهوي، بفتح حوار ومعاينة التجمعات السكنية التي ستتضرر بمرور “الواد الحار”، كما طالب بحل المشكل بمختلف الطرق الممكنة تفاديا لكل التأثيرات البيئية والصحية، متسائلا بطريقة تهكمية: “واش بغاونا نرحلو من هنا..وفين غادين نمشيو؟”.
للمجلس الجماعي رأي
محمد ياسين الداودي، رئيس المجلس الجماعي لكيسر، ورئيس المجلس الإداري للشركة المحلية “أسواق كيسر”، أوضح في تصريح لهسبريس أن السوق الأسبوعي كيسر عرف هيكلة وتجهيزات جديدة، جرى تدشين جزء منها من قبل عامل إقليم سطات، ما سيمكن من إنشاء منظومة اقتصادية، بمشاركة الجماعة الترابية وباقي المؤسسات العمومية المعنية، والقطاع الخاص، وإحداث مجموعة من الحرف، وإنتاج اللحوم الحمراء والبيضاء والدواجن والأسماك والمنتجات الفلاحية من خضر وفواكه.
وأضاف الداودي أن التجهيز المهم الذي عرفه السوق الأسبوعي هم جناح المجزرة التي جرى تجهيزها بمواصفات عصرية، مطابقة لمعايير السلامة الصحية المحددة من قبل المكتب الوطني للسلامة الصحية والمنتجات الغذائية، وهو ما سيمكن السوق من إثبات الذات على مستوى إنتاج اللحوم الحمراء على الصعيد الوطني، إذ ستفوق الطاقة الإنتاجية للمجزرة الكمية المستهلكة على صعيد إقليم سطات، ما سيشجع على تسويق اللحوم إلى الدار البيضاء والرباط والقنيطرة وسلا وغيرها.
وحول التأثيرات البيئية واحتجاجات عدد من سكان جماعة بني يكرين المجاورة، بخصوص تدبير النفايات، أوضح محمد ياسين الداودي أنه “بعيدا عن كل المزايدات السياسية فإن جماعة كيسر تعرف تنمية اقتصادية لا يمكن أن تتم على حساب الجانب البيئي والسلامة الصحية للمواطن، سواء بمركز الجماعة أو بالجوار”، مشيرا إلى أن “السوق مزود بشبكة الماء الصالح للشرب وبتطهير السائل، والإنارة العمومية، اعتمادا على الطاقة بالألواح الشمسية، وهو صديق للبيئة”، وفق تعبيره.
وأضاف ممثل جماعة كيسر أن هناك مشروعا في إطار التمويل لإحداث محطة قبلية لتصفية النفايات الناتجة عن المجزرة العصرية، مع وضع إستراتيجية تثمين هذه المياه المعالجة وتحويلها لسقي المساحات الخضراء بمركز كيسر، وزاد: “حنا مشايطش علينا الماء غادين نطلقوه يضيع”، مؤكدا على حضور المقاربة البيئية، ومطمئنا السكان بأن المياه بعيدة بكيلومترين عن بني يكرين، كما أنها مرخصة من قبل وكالة الحوض المائي، وأردف: “وقولو للناس غير تهناو ماغاديش توصلكم من الماء ديال المجزرة ولو قطرة واحدة”.
وبخصوص البنية التحتية لمركز كيسر قال محمد ياسين الداودي إن المجلس “أعد منذ زمان إستراتيجية تنموية متكاملة، تأخذ بعين الاعتبار نقط القوة لمزيد من تقويتها ونقط الضعف للتقليص منها، مع التركيز على بنية تحتية اقتصادية، لأن كيسر مركز تجاري بامتياز، بالنظر إلى موقعها الإستراتيجي في إقليم سطات والجهة عموما”.
وأشار رئيس المجلس إلى إنشاء محال تجارية بالمركز نفدت عن آخرها بخصوص الدفعة الأولى، فضلا عن فك العزلة عن الساكنة للتنمية الاقتصادية للولوج إلى المركز وممارسة أنشطتهم، مع تطهير السائل وتوفير الإنارة العمومية، إضافة إلى إنشاء مرافق رياضية ودار الطالبة، وإحداث نقط للتعليم الأولي، وتأطير الجمعيات باعتماد طرق جديدة في توزيع الماء الصالح للشرب والشروع في بناء مركز صحي جديد ودار للولادة، وغيرها من الإنجازات التي وصفها بـ”النهضة الشاملة التي تمتد إلى عدد من القطاعات”.