بعد نحو سبعة عشر عاما على تطبيق مدونة الأسرة، ما زال عدد من فصولها محطّ مطالب عدد من الجمعيات المدافعة عن حقوق المرأة لتعديلها، خاصة المادة 49 المتعلقة بتدبير الأموال المكتسبة أثناء قيام الزوجية، والتي أكدت عدد من الدراسات أنها لا تفعّل.
جمعية “صوت المرأة الأمازيغية” قدمت مذكرة ترافعية حول تعديل المادة 49 من مدونة الأسرة، مطالبة بإعمال روح مبدأ “تمزّالتْ”، وهو عُرف جرى العمل به لدى أمازيغ سوس، ويُعرف لدى الفقهاء بـ”الكدّ والسعاية”.
وتنص المادة 49 من مدونة الأسرة على أن لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة الآخر، غير أنه يجوز لهما، في إطار تدبير الأموال التي ستُكتسب أثناء قيام الزوجية، الاتفاق على استثمارها، ويضمّن هذا الاتفاق في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج.
وبالرغم من أن الأفكار الواردة في المادة 49 من مدونة الأسرة “تبدو إيجابية على الورق مقارنة بما كان عليه الوضع في ظل مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، لكن تنزيل أحكام هذه المادة من مدونة الأسرة في صيغتها الحالية واجه عددا من الإشكالات والإكراهات”، حسب دراسة سابقة أنجزتها جمعية “صوت المرأة الأمازيغية”.
ولتجاوز العراقيل التي تعيق تفعيل المادة 49 من المدونة، تطالب الجمعية ذاتها في مذكرتها الترافعية، التي أعدتها بدعم من الحكومة البريطانية، باعتماد القوانين الأمازيغية “الضاربة في التاريخ المغربي والتي اختفت من التشريع المغربي رغم ما خلفته من ممارسات جيدة في إقرار العدالة والحفاظ على الحقوق”.
وقالت حياة مشنان، رئيسة جمعية “صوت المرأة الأمازيغية”، في ندوة تقديم المذكرة الترافعية، مساء الجمعة، إن الدراسة الميدانية التي قامت بها الجمعية “أظهرت ضرورة تعديل المدونة لأن فيها اختلالات يجب أن تعالج”، مضيفة “لا يمكن الاستمرار في العمل بمدونة تبدو متخلفة وغير ملائمة للفصل التاسع عشر من الدستور”.
من جهتها، قالت نجاة السالمي، عضو بالجمعية ذاتها، إن المشرّع وضع المادة 49 من مدونة الأسرة دون تفسير دقيق، ودون وضع الشروط لتفعيلها، مبرزة أنها تتضمن عددا من الثغرات لا بد من معالجتها بما يضمن حق النساء في تقاسم الأموال والممتلكات المُكتسبة أثناء قيام الزوجية.
وتنص المادة 49 من مدونة الأسرة على أن العدلين يقومان بإشعار الطرفين عند زواجهما بأنّ لهما الحق في أن يبرما اتفاقا لاستثمار وتوزيع الأموال المكتسبة أثناء قيام الزوجية، غير أن النص لم يجعل إبرام الاتفاق مُلزما وجعله اختياريا، وهو “ما يجعله لا يفعّل على أرض الواقع، والضحية دائما هي المرأة لأن حقوقها تضيع”، تقول السالمي.
وتطالب جمعية “صوت المرأة الأمازيغية” بإلزامية إبرام اتفاق استثمار وتوزيع الأموال التي ستُكتسب أثناء قيام الزوجية، مع تضمين وثيقة الاتفاق في صلب عقد الزواج عوض أن تكون مستقلة عنه، كما تنص على ذلك المادة 49 من مدونة الأسرة الحالية.
وقال أنس سعدون، عضو “نادي قضاة المغرب”، إن إشكالية تدبير الأموال المشتركة بين الزوجين يمكن حلها عن طريق وضع الوزارة الوصية على قطاع العدل أنظمة مالية يحدّد كل نظام حقوق والتزامات طرفي العلاقة الزوجية، ويختار الراغبون في الزواج النظام المالي المناسب لهم.
وقدمت جمعية “صوت المرأة الأمازيغية” في مذكرتها الترافعية توصية مثيرة تتعلق بالتنصيص في مدونة الأسرة على عدم تقسيم الإرث الذي يتركه المتوفى إلا بعد أن يُخصم منه حق الزوج الباقي على قيد الحياة، مما يعني، عمليا، أن الورثة لن يقتسموا سوى نصف ما تركه المتوفى، على اعتبار أن النصف الآخر سيذهب إلى الطرف الثاني للعلاقة الزوجية، إذا وُجد اتفاق توزيع الأموال المكتسبة أثناء قيام الزوجية.
واعتبر سعدون أن المرأة حتى وإن لم تكن تعمل خارج البيت فإنها تعمل داخله، سواء تعلق الأمر بالعمل المادي أو المعنوي، من خلال الاعتناء بالأسرة، مبرزا أنها “الكائن الوحيد الذي لا يتوقف عن العمل”، وأن “خروج النساء إلى العمل لم يؤد إلى تقاسم الأدوار داخل البيت إلا بنسبة قليلة، بسبب التنشئة الاجتماعية التي لم تستبطن تبادل الأدوار بين الزوجين”.