يطمح النموذج التنموي الجديد، الذي رفع شكيب بنموسى، رئيس اللجنة المكلفة بإعداده، تقريره إلى الملك محمد السادس خلال الأيام الماضية، (يطمح) إلى أن يشكل قاطرة للتنمية الاقتصادية بالمغرب، بما يضمن تحقيق نمو مستدام والاستجابة لمختلف انشغالات المجتمع المغربي.
وتم إحداث اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد بالمغرب، التي عهدت إليها مهمة إجراء تشخيص دقيق وموضوعي للوضعية الحالية بالبلاد، وتحديد جوانب القوة والاختلالات التي تجب معالجتها، لرسم معالم نموذج تنموي جديد يضمن للمواطنين حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الأساسية، على غرار حقوقهم المدنية والسياسية.
وحسب تصريحات متطابقة لعدد من الفعاليات المدنية والجمعوية بجهة درعة تافيلالت لهسبريس فإن “النموذج التنموي الجديد الذي سيتم اعتماده في المستقبل يسعى إلى الانتقال إلى مغرب مزدهر، من خلال تنزيل أهداف تنموية محددة وفي المتناول للارتقاء بالمملكة”.
وأجمع عدد من الجمعويين على أن جهة درعة تافيلالت تعتبر الأكثر فقرا وتضررا من حيث غياب الفرص التنموية والاقتصادية والاجتماعية مقارنة مع الجهات الـ12 بالمغرب، مؤكدين أن “النموذج التنموي الجديد الذي سيتم العمل به مستقبلا في المغرب يجب أن تكون انطلاقته من هذه الجهة التي عانت ومازالت تعاني من التهميش التنموي، بسبب السياسات التنموية الفاشلة المعتمدة سابقا”، ومشيرين إلى أن درعة تافيلالت تستحق أن تكون سباقة لتنال نصيبها من هذا النموذج.
عبد الله السوهير، رئيس شبكة الجمعيات التنموية بواحات الجنوب الشرقي، قال إن “تشخيص واقع التنمية بجهة درعة تافيلالت لا يحتاج إلى جهد كبير، فيكفي القيام بجولة في مختلف أقاليم الجهة لتلاحظ التأخر الحاصل في مختلف المجالات، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية والثقافية أو البنية التحتية”، مضيفا: “رغم إحداث هذه الجهة إلا أن الأمر ظل على ما كان عليه، والكل يعرف الأسباب التي أصبحت غير خافية على أحد”.
وأضاف السوهري، في تصريح لهسبريس، أن “الفرصة تبقى اليوم في النموذج التنموي الجديد، الذي تمت بلورته بطريقة احترافية علمية”، وزاد: “شاركنا كمجتمع مدني في ورشات عن بعد لتقديم اقتراحاتنا، التي أخذت بعين الاعتبار”، مشيرا إلى أنه “انطلاقا من الفوارق المجالية الموجودة بين الجهات الـ12 في البلاد، وأن درعة تافيلالت تعتبر أكثر الجهات التي تعاني من تأخر كبير، وجب على الدولة العمل على إعطاء أهمية كبرى في إنجاز مشاريع قادرة على تأهيل الجهة وإنصافها؛ وما الاستثمار في الموارد البشرية إلا أحد هذه المحاور الأساسية التي جاءت في النموذج التنموي الجديد، خاصة أن الجهة تعرف طاقات شابة وهائلة”.
وطالب الجمعوي ذاته بإنشاء مؤسسات جامعية بالجهة للاستثمار في الطاقات العلمية الموجودة في الجنوب الشرقي، ومضاعفة الاستثمار في الطاقات المتجددة الشمسية والريحية، وتشجيع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني الذي يعتبر أحد الركائز الأساسية للتنمية، خاصة أن الجهة تعتبر خزان المغرب من الثروات المعدنية، والذي يعرف بدوره اشتغال العديد التعاونيات التي تحتاج إلى تأهيل.
كريم إسكلا، الباحث في قضايا التنمية والتغيير الاجتماعي، وهو واحد من المبادرين لإعداد “مذكرة تنغير حول النموذج التنموي الجديد”، أكد أن من بين ما دعت إليه المذكرة الإقليمية “إقرار الديمقراطية التعاقدية في تدبير الشأن العام، والربط الفعلي للمسؤولية بالمحاسبة، وما يصاحب ذلك من اعتماد مجالس إدارية منتخبة لتدبير المجالس الترابية”، إضافة إلى “التمكين المنصف لخلق بيئة محفزة على الاستقرار والاستثمار والتنمية المجالية الذاتية”، و”استرجاع ظروف استدامة المنظومات الإيكولوجية والاقتصادية للواحة.. العدالة الاجتماعية والتمييز الإيجابي لجبر الضرر الترابي، كمفاتيح كبرى للنموذج التنموي الجديد”.
وأضاف إسكلا في تصريح لهسبريس: “في الواقع كنا نتمنى أن تخصص تقارير اللجنة حيزا واضحا للإشكالات الخاصة بالمجال الواحي والجبلي، خاصة على المستوى البيئي والمجالي؛ وكذا ترصيد وتثمين العقار كأساس للاستثمار وجبر الضرر التنموي، وذلك بتحويل عائدات كراء وتفويت الأراضي السلالية إلى مداخيل المجالس المنتخبة عوض تجميعها مركزيا في صندوق التنمية القروية، وتكييف قوانين البناء والتعمير مع خصوصيات المجال الواحي الجبلي، وإيجاد حل للأملاك العسكرية والمخزنية والثكنات المتواجدة داخل المجالات الحضرية، واستخراج الأملاك الخاصة من التحديد الإداري لتسهيل التحفيظ الجماعي، إلى جانب إستراتيجية متكاملة للاقتصاد التضامني والاجتماعي الواحي”.
ويرى المتحدث نفسه أن المدخل السياسي هام وضروري لتفعيل وتنزيل أي نموذج تنموي منشود، وليس فقط الحلول التقنية والقانونية، مضيفا: “لهذا نأمل أن تبرز نخب وطاقات جريئة ومبدعة وقادرة على الأجرأة الفعلية للنموذج الجديد، وأن ترفع الكوابح السياسية والاجتماعية والثقافية التي مازالت تمنع القدرة على إحداث قطائع واختيارات حاسمة في العديد من القضايا، خاصة في النظم والأنساق القانونية والتدبيرية والثقافية، إذ لا يمكن أن نتوقع من الأشخاص أنفسهم والمقاربات ذاتها التي أنتجت الوضع الحالي إصلاحه”.