الخميس 28 يناير 2021 – 03:16
حلت قبل أيام الذكرى التاسعة والعشرون لرحيل الزعيم الاتحادي عبد الرحيم بوعبيد، ولأن كل شيء أصبح خافتا في زمن كورونا، فقد مرت الذكرى مرور الكرام حتى داخل الاتحاد الاشتراكي نفسه؛ فالحزب الذي كان يقود معركة التغيير وسط الجماهير لم يعد قادرا حتى على تغيير نفسه، بعدما لفظ جل مناضليه ومفكريه خارج التنظيم، إما لدواعي انتخابية أو حكومية أو لأسباب شخصية محضة.
أين نحن من حزب عبد الرحيم بوعبيد الذي كان له جمهوره وفنه ومناضلوه وحداثيوه؟ أين نحن من أولائك الوطنيين ومنهم عبد الرحيم بوعبيد الذي استطاع أن يقول “لا” للملك الراحل الحسن الثاني سنة 1981، معلنا رفضه رفقة مكتبه السياسي مقترح “الاستفتاء في الصحراء”، رغم أن تكلفة ذلك كانت هي ذهاب الجميع إلى السجن؟ ومع ذلك لم نسمع أي واحد من أولائك المناضلين يعلن تنكره للمغرب أو يحرق جواز سفره المغربي، فالسياسة هي قول الحقيقة بغض النظر عن الثمن، طالما أن الوازع هو الوطنية.
لا مجال إذن لمقارنة المكتب السياسي الذي كان يقوده عبد الرحيم بوعبيد مع المكتب السياسي لإدريس لشكر، الذي يحاول أن يتصالح مع الجميع لكن كثيرا من الاتحاديين يرفضون التصالح معه، لأسباب نفسية في الغالب؛ وهو نفسه وصل إلى قيادة الحزب بعد معارك تنظيمية طاحنة، ولم يكن يتصور أن طموح الكتابة الأولى سيؤدي به إلى رئاسة إطار أجوف من الداخل.
لم يعد للحزب ذلك الارتباط العضوي بقضايا الجماهير، ولم يعد للجماهير أي ارتباط به، بعدما استنفد رصيده الشعبي في تجربة حكومية انتهت بالفشل أمام “القوة الثالثة” كما سماها عبد الرحمان اليوسفي، وهي القوة التي خلقت أول مرة في المغرب من طرف الاستعمار، بفرض تقليد تعيين شخصية مستقلة على رأس الحكومة. وما أكثر الشخصيات المستقلة في حكومات اليوم..ومن المعلوم أن الأسباب نفسها تؤدي إلى النتائج نفسها.
اليوم يشارك الحزب في الحكومة بحقيبة واحدة، بعد أن تآمر على نفسه مع أطراف سياسية أخرى لحرمانه من الحقيبة الثانية. ورغم أن “الاتحاد” لم تعد له أي قوة انتخابية، إلا أنه أصبح يعرض رصيده النضالي للكراء في إطار الأغلبية. ولعلها قمة المفارقة السياسية أن يترأس الاتحاد الاشتراكي الغرفة الأولى من البرلمان رغم أنه بالكاد يشكل فريقا نيابيا؛ ولكن الحزب أصبح يعرض ماضيه “للكراء السياسي” مقابل تحصيل ما تيسر من المناصب.
الحزب الفزاعة، هكذا يمكن تلخيص حالة الاتحاد الاشتراكي بعدما فقدت كل هياكله الموازية بريقها، وانتشرت بين صفوفه ظاهرة “الاتحاد عن بعد”، إذ يتم الانتماء إليه بالاسم فقط، عبر تدوينات فيسبوكية شاردة، ودون التزام تنظيمي.. وفي بعض الحالات يبقى الاتحاد حبرا على ورق، في ظل غياب صحوة تنظيمية تعيد للحزب مكانته في المجتمع، شرط أن يعرف المسيطرون عليه أنه تنظيم لكافة المغاربة، وليس دائرة انتخابية على مقاس خدام الكاتب الأول.