حرب النجوم .. والجنون
كاريكاتير: مبارك بوعلي

سعيد ابن عائشةالإثنين 10 ماي 2021 – 10:01

أحيانا تتجاوز الأفكار حدود المعقول، ويمكن للعقل أن يتجاوز كل الحدود ليصبح منطلقا للجنون، ولا شك أن قمة الجنون هي ما وقع في جل أنحاء العالم مؤخرا، حيث تم تجييش المواطنين البسطاء لمناقشة مواضيع علمية معقدة، حتى بالنسبة للعلماء، وهذا ما حصل على سبيل المثال في النقاش المرتبط بلقاح “كورونا”، حيث تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى منطلق لتحليل مكونات اللقاح الصيني واللقاح الأمريكي..، وبراءات الاختراع وجدوى الأمصال.. ولأن النقاش على مواقع التواصل الاجتماعي لا يخضع لأي ضوابط، فقد وصلت قريحة البعض إلى حد تحليل مكونات الذاكرة المناعية والوصفات الطبية المعقدة، وهناك من استنجد بـ”علم الغيب” ليحجز مكانه وسط المتدخلين بشكل اعتباطي.

ولم يكن جنون العالم، الذي يعاني في الوقت نفسه من وباء مجنون يجثم على القلوب، ويغلق أبواب الرزق، ليقف عند هذا الحد، بل إن كبريات وسائل الإعلام تجندت طيلة الأيام الأخيرة لتسليط الضوء على قضية “صاروخ صيني” تاه في الفضاء، دون وجهة محددة، ليصبح بمثابة “نيزك” يمكن أن يسقط فوق الرؤوس في أي لحظة.

لحسن الحظ، انتهى كابوس الصاروخ الصيني بسقوطه في بحر العرب، نهاية الأسبوع، ولكن لا يمكن طي الصفحة دون التذكير ببعض المعطيات المخيفة التي رافقت الدعاية لهذا الحطام الفضائي، حيث إن الصاروخ الصيني لم يكن في حقيقة الأمر سوى حطام يقدر بالأطنان لصاروخ أطلقته الصين أواخر الشهر الماضي حاملا وحدة من محطة فضاء قيد البناء في إطار حرب النجوم، وكما يحصل دائما، يفعلها الكبار فتسقط على رؤوس الصغار.

طيلة أيام ومواقع التواصل الاجتماعي تتابع حالة بقايا صاروخ طائش، تسير بسرعة 48 ألف كلم في الساعة، وتدور دورتين على الأرض كل 90 دقيقة، على ارتفاع قدر بـ300 كلم عن سطح الأرض، قبل الشروع في الانخفاض، علما أن مسار الصاروخ كان يتراوح بين خط عرض 41 درجة شمالا، و41.5 جنوبا، وكانت المساحة المستهدفة بالصاروخ الطائش تضم كلا من الرباط ونيويورك وجميع الدول العربية.. وساهمت الدعاية القصوى في رفع نسبة المتابعة، والتوقعات الكارثية، لا سيما بعد دخول الجيش الأمريكي على الخط، حيث اكتفى وزير الدفاع الأمريكي بالتعبير عن أمنيته في سقوط هذا الصاروخ في أحد المحيطات على سبيل المثال، مما يعني أن جيوش العالم غير مستعدة لمواجهة هذا النوع من “القصف العشوائي” انطلاقا من الفضاء.

إنه عالم مجنون، وحرب الفضاء وصلت أوجها بين عمالقة الكرة الأرضية، وكثير من دول العالم تبدو بدائية جدا أمام التطورات المتسارعة، حيث تستعد الشعوب الذكية لغزو كواكب أخرى، أو على الأقل للتحكم في مصير كوكب الأرض، بينما تواصل شعوب أخرى تحليل الظاهرة دون معطيات، لأن الجنون لا ثمن له.

hespress.com