في الحاجة إلى تعزيز ملاءمة المقتضيات الوطنية المنظمة لمجال الصحافة مع المواثيق والمعايير الدولية

“إن المغرب كان باستمرار واثقا من تطوره المتميز في هذا المجال [الصحافة والإعلام] مراهنا على السير التدريجي على طريق الحداثة والانفتاح التدريجي، وخاصة على طريق الديمقراطية في هذا الحقل أكثر من غيره من الحقول” (الإعلام والمجتمع في المغرب، 2010).

شهد المغرب خلال العقود الأخيرة، دون شك، أوراشا كبرى في مجالات ترتبط بحماية حقوق الإنسان والنهوض بها، سواء على المستوى المؤسساتي أو التشريعي. وقد كان قطاع الصحافة والإعلام شاهدا يوثق لمسار هذه الإصلاحات الممتد في الزمن، ونال حظه بدوره من هذه الدينامية، وإن بشكل تدريجي في محطات بارزة عدة. ومن أجل استكمال مسار هذه المحطات، لا بد من العمل على تعزيز الضمانات القانونية وملاءمة التشريعات الوطنية مع المعايير الدولية المؤطرة لحرية الصحافة بشكل عام، وهو ما تحاول هذه المقالة تسليط الضوء على بعض من جوانبه، دون أن تدعي الإحاطة بكل زواياه. وقبل الدخول في صلب هذا الموضوع، وخاصة ما يتعلق بالعقوبة السالبة للحرية وتقييد حرية الصحافة وحمايتها، لا بد من استحضار أبرز محطات الإصلاح التي شهدها القطاع خلال العشريتين الأخيرتين.

قطاع الصحافة: لمحة سريعة على محطات الإصلاح

تخصيص فصل كامل في أسمى نص معياري للمملكة للمبادئ الأساسية المتعلقة بحرية الصحافة، هو مكسب حقيقي وثمرة مسار مهم، يمكن على الأقل تتبع خيوطه لأكتوبر 2002، عندما جرى سن القانون بتغيير وتتميم قانون الصحافة والنشر الصادر في 1958، الذي اعتمده المغرب فجر الاستقلال، مستوحيا في جزء كبير منه القانون الفرنسي لسنة 1881، وطالته تعديلات ألغيت بشكل تدريجي إثر المناظرة الوطنية الأولى سنة 1993. وبمجرد سن تعديلات 2002، أعرب العديد من المهنين عن ضرورة إجراء مراجعة جوهرية لمجموع التشريعات التي تنظم الصحافة، ليبدأ بعد ذلك مسار ترافعي ونضالي في ظل ديناميكية إصلاح مجتمعية تتطلع لتحول ديمقراطي وإصلاحات جوهرية على أكثر من صعيد (من بينها على سبيل الذكر لا الحصر الانفتاح الديمقراطي وتجربة العدالة الانتقالية).

في هذا السياق جاء خطاب العرش في 2004، الذي أكد فيه عاهل البلاد على ضرورة “استكمال الإصلاح الشامل للمشهد الإعلامي” الذي سيظل بدونه “إصلاح الفضاء السياسي ناقصا (…) لترابطهما العضوي في دمقرطة الدولة والمجتمع” والحاجة إلى “انبثاق مؤسسات إعلامية مهنية، حرة ومسؤولة، بما في ذلك تمكين قطاع الصحافة المكتوبة، بتشاور وتعاقد مع مختلف الفاعلين، من هيئة مهنية تمثيلية تسهر على تنظيمه وضبطه قانونيا وأخلاقيا وتحصينه من الممارسات المخلة بنبل رسالته”.

لقد تمخض عن هذه الديناميكية الإصلاحية والمسار النضالي والترافعي محطات بارزة في تاريخ الصحافة والإعلام بالمغرب، من بينها محطة الملتقى الوطني للصحافة المكتوبة بالصخيرات في 2005، وبعدها المشاورات بين النقابة الوطنية للصحافة المغربية والفيدرالية المغربية لناشري الصحف ووزارة الاتصال في 2007، التي أسفرت على وضع مسودة أولية لمشروع مدونة قانون الصحافة والنشر، لم يجر قط جدولتها في المسار التشريعي، ثم محطة حوار الإعلام والمجتمع في 2010 وتوصيات الكتاب الأبيض الذي تمخض عن هذا الحوار المجتمعي العام (تقرير الإعلام والمجتمع في المغرب)، الذي كان فيه تأكيد صريح على أن التشريع المؤطر للصحافة والنشر أصبح متجاوزا ومتقادما بالنظر للتطور التكنولوجي، وبالأخص واقع المشهد الإعلامي، وتجددت فيه الدعوة والحاجة إلى إحداث آلية تنظيم ذاتي، يعود في المقام الأول للمهنيين أنفسهم.

سنة بعد ذلك، سيتوج هذا المسار بتكريس فصل كامل في أسمى نص معياري للملكة لحرية الصحافة، يحظر كل أشكال الرقابة القبلية ويكرس حق الجميع في التعبير ونشر الأخبار والأفكار والآراء بكل حرية ومن غير قيد، عدا ما ينص عليه القانون صراحة.

مسار هذا الإصلاح الجوهري لم يتوقف في محطة 2011، حيث تمخض عن هذا الأساس الدستوري إصلاحان يعتبران جوهريين وأساسيين بالنسبة لقطاع الصحافة، يتمثلان في صدور مدونة الصحافة والنشر، وبالخصوص خلو مقتضياتها من أي عقوبات سالبة للحرية، وإرساء آلية التنظيم الذاتي لمهنة الصحافة، التي لها أساس دستوري صريح في الفصل 28 من الدستور.

هذه النظرة السريعة ضرورية لاستحضار مسار التراكمات والإصلاحات، التي في الحقيقة لم ولن تتوقف، ومن الحتمي أن تستمر من أجل تطوير ممارسة حرية الصحافة وتعزيز حمايتها، خاصة أن القوانين تبقى دائما قابلة للتجويد والإصلاح والملاءمة مع القانون الدولي لحقوق الإنسان والمواثيق التي صادق عليها المغرب.

أحكام دستورية متقدمة

تناقش هذه المقالة في شقها الثاني علاقة مواد متفرقة من مجموع مدونة الصحافة والنشر مع الفصل 28 من الدستور والتعليق العام رقم 34 للجنة المعنية بحقوق الإنسان التي تقدم ملاحظات عامة بشأن المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (حرية الرأي وحرية التعبير).

وبالعودة إلى التعليق العام للجنة الأممية، نقف على تعارض جوهري بين تفسير اللجنة للمادة 19 وواقع ممارسة الصحافة في المغرب، حيث إن التعليق العام يعتبر أن الصحافة “مهنة تتقاسمها طائفة واسعة من الجهات الفاعلة، بمن فيها المراسلون والمحللون المحترفون والمتفرغون فضلاً عن أصحاب المدونات الإلكترونية وغيرهم ممن يشاركون في أشكال النشر الذاتي المطبوع أو على شبكة الإنترنت أو في مواضع أخرى”، وهو تعريف لا ينطبق تماما مع تعريف الصحفي المهني في مدونة الصحافة والنشر. غير أن تفسير اللجنة الأممية يبقى في الواقع متلائما مع أحكام المادة 28 من الدستور المغربي، التي تذهب إلى أبعد من ذلك، عندما تكرس حق الجميع في التعبير، ونشر الأخبار والأفكار والآراء، مع العلم أن هذا الفصل مخصص حصريا لحرية الصحافة والإعلام (أما حرية الرأي والتعبير بشكل عام، فيكرسها الفصل 25 من الدستوري)، ليكون الدستور بذلك، في واقع الأمر، متقدما في فلسفته ونظرته لممارسة حرية الصحافة والإعلام عن مقتضيات مدونة الصحافة والنشر التي جرى اعتمادها في تاريخ لاحق (في سنة في 2016).

علاوة على تعريف أو تحديد من “يحق” له ممارسة الصحافة، يعتبر التعليق العام أن النظم الحكومية العامة لتسجيل الصحفيين أو الترخيص لهم تتعارض مع الفقرة الثالثة من المادة 19. وفي هذا الإطار، لا بد من الإشارة إلى أنه من إيجابيات إصلاح 2016 وواقع الممارسة اليوم، وبالخصوص ما يتعلق بالتنظيم الذاتي بالمغرب، أن الحكومة المغربية، ممثلة في وزارة الاتصال (أو قطاع الاتصال حاليا)، لم تعد تشرف على عملية منح بطاقة الصحافة المهنية التي أصبح يسلمها المجلس الوطني للصحافة مند إحداثه، ليتمكن المغرب بالتالي من رفع تعارض بينٍ مع المادة 19، من خلال التخلي على كل إشراف حكومي على هذه العملية. غير أنه لا بد من التذكير، في السياق نفسه، بأن التعليق الأممي ينص على أنه لا يُسمح بنظم الاعتماد المقيّد إلا عندما تكون هناك ضرورة لمنح الصحفيين امتيازا للوصول إلى أماكن و/أو مناسبات معينة ومراعاة أن الصحافة مهنة تتشارك فيها طائفة واسعة من الجهات الفاعلة، وهو ما يختلف في جوهره مع نظرة عدد كبير من الفاعلين المهنيين والنقابيين والناشرين، وإن كانوا لا يعارضون الحق في النشر، غير أن الصحافة، بالنسبة إلى معظمهم، تبقى مهنة “يجب تحصينها” بشكل أكبر و”وضع شروط الولوج إليها”، على مستوى التكوين وعلى مستوى الأهلية وأيضا على مستوى الحد الأدنى للأجر…، وهو ما تسمح آلية البطاقة الصحفية، في حد ذاتها، بضبطه والتأكد منه.

غير أنه من سلبيات “التأخر” التشريعي عن النص الدستوري وعدم ملاءمة مدونة الصحافة والنشر بشكل كامل مع المعايير الدولية، خلق نوع من الازدواجية على مستوى حماية ممارسة حرية الصحافة وأشكال النشر الأخرى، بحيث لا يستفيد جميع المنخرطين في عملية النشر بالضرورة من الضمانات الأساسية نفسها التي توفرها مقتضيات المدونة، خاصة ما يتعلق منها بالعقوبات بشكل عام والعقوبات السالبة للحرية بشكل خاص، وأيضا التقيد في النص بالمتابعة وفقا لأحكام المدونة، بالنسبة لجميع الأفعال التي ورد فيه نص صريح في المدونة، في الوقت الذي يمكن أن يتابع غير الصحفي المهني على فعل مماثل أو مشابه بأحكام غير أحكام المدونة، خاصة أحكام القانون الجنائي.

بشأن العقوبات السالبة للحرية

خلال الجولة الثالثة من الاستعراض الدوري الشامل (2017)، استعرض تقرير المغرب الوطني الإصلاحات والجوانب التشريعية والمؤسسية التي شملها تعزيز الحق في حرية الرأي والتعبير، وجاء على رأسها إضافة القانون المتعلق بالصحافة والنشر “لضمانات هامة تكرس هذا الحق، لا سيما إلغاء العقوبات السالبة للحرية والاستعاضة عنها بغرامات معتدلة”.

لقد رحبت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بإقرار قانون يلغي العقوبات السالبة للحرية على جرائم الصحافة، وأوصت “بأن يعيد المغرب النظر في جميع الأحكام ذات الصلة في القانون الجنائي كي يجعلها تتوافق مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، خاصة أي عقوبات بالسجن يمكن أن تشمل أيضا الصحفيين. وإذ أخدت الحكومة المغربية حينها علما بهذه التوصيات إلا أنها رفضت كليا التوصيات التي تخص الامتناع عن متابعة الصحفيين بموجب قوانين أخرى غير مدونة الصحافة والنشر. وقد أكدت الحكومة على موقفها بعدم تأييد الإلغاء الكلي لمتابعة الصحفيين بموجب القانون الجنائي، معتبرة أن “متابعة الصحفيين في قضايا لا تندرج ضمن أداء مهامهم المهنية يجب ألا يخضع للاستثناء المذكور حفاظا على حقوق المواطنين وتحقيقا لمبدأ المساواة أمام القانون”.

في تقييد حرية الصحافة

يضمن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي وقع عليه المغرب في يناير 1977 وصادق عليه في ماي 1979، الحق في حرية التعبير الذي يشمل “التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها”. كما تجيز مقتضيات العهد إخضاع هذا الحق لبعض القيود، التي يجب أن تكون محددة بنص القانون وضرورية “لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم” أو “لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة”.

بالعودة مجددا إلى التعليق العام رقم 34 للجنة المعنية بحقوق الإنسان، نجد أن “أي تقييد لحرية التعبير يشكل انتقاصاً خطيراً من حقوق الإنسان”، وأنه لأغراض الفقرة الثالثة من المادة 19 من العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية، “يجب أن تصاغ القاعدة التي ستعتبر بمثابة “قانون” بدقة كافية لكي يتسنى للفرد ضبط سلوكه وفقاً لها ويجب إتاحتها لعامة الجمهور”، بالإضافة إلى ضرورة أن تصاغ القيود بعناية وأن “لا تفرض إلا لأحد الأسباب الواردة في الفقرتين (أ) و(ب) من الفقرة 3 من المادة 19 [أي إما لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، أو لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة]، وأن تكون متلائمة مع اختبارات صارمة تتعلق بالضرورة والتناسب”. ما يهمنا أكثر في ما سنستعرضه هو بالخصوص معيارا الدقة والإتاحة في أي تقييد لحرية الصحافة، باعتبارها إحدى الحريات الأساسية ضمن مكونات الحق في حرية الرأي والتعبير.

توفر مدونة الصحافة والنشر (وبالضبط المادة 17) ضمانة أساسية لممارسة حرية الصحافة تتجلى في كون أحكام أي قوانين أخرى لا تسري على كل ما ورد فيه نص صريح في المدونة. هذا المقتضى يشكل دون شك ضمانة قانونية مهمة، غير أنه يفتح الباب أمام متابعة الصحفيين بأي مقتضيات قانونية أخرى، لا هي محددة بشكل واضح ولا متاحة للجميع، في أي شأن لم يرد فيه مقتضى صريح في المدونة؛ أي إن نص المدونة يضيف في الواقع تقييدا غير دقيق وغير متاح، يمكن أن يفرغ ضمانات إلغاء العقوبات السالبة للحرية في المدونة من أي معنى، حتى في القضايا المتعلقة مباشرة بالصحافة والنشر (وليس فقط في “قضايا لا تندرج ضمن أداء الصحفيين لمهامهم المهنية”، بهدف “الحفاظ على حقوق المواطنين وتحقيقا لمبدأ المساواة أمام القانون”، كما قالت الحكومة المغربية عند رفضها الكلي لتوصيات الاستعراض الدوري الشامل، كما هو وارد أعلاه.

هنا لا بد من الرجوع إلى تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان عن حالة حقوق الإنسان برسم سنة 2019، الذي قارب، من هذا المنطق، قضية ما بات يعرف بملف الصحفيين الأربعة، الذي لم يجر الاستناد فيه إلى مقتضيات مدونة الصحافة والنشر، وإن كان الفعل يدخل في قضية نشر وفي صميم العمل الصحفي.

تكمن أهمية هذا الملف في تسليط الضوء على ثلاثة عناصر أساسية في علاقة مقتضيات مدونة الصحافة والنشر والمعايير الدولية لحماية حرية الصحافة والإعلام:

على مستوى التقييد، الذي يجب أن يكون دقيقا ومتاحا، وهما معياران غير متوفرين كما يتبين، على الأقل، من العناصر المقدمة أعلاه بشأن المادة 17 من مدونة الصحافة والنشر. وبالعودة إلى الملف الذي ركز عليه المجلس الوطني لحقوق الإنسان في تقريره السنوي برسم سنة 2019، فقد جرى في الملف الاستناد إلى القانون التنظيمي المتعلق بطريقة تسيير اللجان النيابية لتقصي الحقائق (المادة 14) والفصلين 129 و446 من القانون الجنائي، لأن مدونة النشر لا تتضمن أي نص صريح بشأن نشر معلومات تكتسي طابع السرية، وإن كانت المادة 6 منها تنص على استثناء مثل هذه المعلومات من المعلومات التي يمكن للصحفي الولوج إلها.

على مستوى العقوبة السالبة للحرية في قضايا الصحافة والنشر. وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أنه صدر في حق الصحفيين المعنيين عقوبة بالسجن، وإن كانت عقوبة سالبة للحرية موقوفة التنفيذ، مع العلم أن القضية تتعلق بممارسة هؤلاء الصحفيين لمهامهم المهنية.

على مستوى مقاضاة صحفيين لأسباب تتعلق بنشر معلومات تكتسي طابع السرية. في هذا السياق، لا بد من الإشادة باحترام المحكمة في قضية الصحفيين الأربعة لحقهم في حماية مصادرهم، وتشديدها على ذلك في أكثر من مناسبة، على اعتبار أن المادة 5 من قانون الصحافة والنشر تنص على أن سرية مصادر الخبر مضمونة ولا يمكن الكشف عنها إلا بمقرر قضائي في حالتين: القضايا المتعلقة بالدفاع الوطني وأمن الدولة الداخلي والخارجي والحياة الخاصة للأفراد، ما لم تكن لها علاقة مباشرة بالحياة العامة. غير أنه على ضوء المعايير الدولية، يجب تعزيز هذه الضمانات بشكل أكبر. فبالعودة إلى التعليق العام للجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان، يتنافى مع أحكام المادة 19 من العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية (الفقرة الثالثة) الاحتجاج مثلا بقوانين تحمي الأسرار الرسمية لمقاضاة الصحفيين لأسباب تتعلق بنشرهم تلك المعلومات إن كانت ذات مصلحة عامة مشروعة ولا تضر بالأمن القومي.

في هذا السياق الأخير نفسه، جاءت توصية المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية التعبير في 2013، التي شدد من خلالها على أنه (في حالة تسريب معلومات تكتسي طابع السرية) “لا ينبغي أن يتعرض للمسؤولية الأفراد الآخرون، بمن فيهم الصحفيون، والأفراد الآخرون العاملون لدى وسائط الإعلام (…) الذين يتلقون المعلومات المفروض عليها السرية أو يحوزون تلك المعلومات أو ينشرونها لاعتقادهم أن ذلك سيحقق الصالح العام، إلا إذا أدى تصرفهم إلى وضع أشخاص في حالة تلحق بهم ضررا وشيكا وخطيرا.”

لقد توج إلغاء العقوبات السالبة للحرية من مدونة الصحافة والنشر وإرساء آلية التنظيم الذاتي في قطاع الصحافة دينامية إصلاح بارزة، استمر مسارها التدريجي خلال العقدين الأخيرين، من أجل النهوض بحرية الصحافة وحماية ممارستها في المغرب، خاصة بعد اعتماد أحكام دستورية متقدمة، نصا وروحا، في هذا الباب.

بعد خمس سنوات على قانون الصحافة والنشر، وفي ظل التطورات المتسارعة والتحدي الرقمي، سواء في علاقته بممارسة الصحافة والنشر أو بالتنظيم الذاتي أو تحديات وفرص النهوض بحقوق الإنسان عبر الصحافة والإعلام، استحضارا أيضا للمساهمات الممكنة في التغيير المجتمعي، قد يكون الوقت حان إلى إطلاق دينامية جديدة لتكريس حماية حرية الصحافة من خلال مراجعة شاملة للتشريعات الوطنية لاستكمال مسار الإصلاح، تذهب أبعد من الملاءمة مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.

فروح ومسلسل دينامية الإصلاح يجب أن يستمرا (ونعيد هنا الاقتباس من مخرجات الحوار الوطني للإعلام والمجتمع) من أجل تكريس الطابع الخاص لممارسة حرية الصحافة والإعلام “بجعلها في منأى عن كل عقوبة سالبة للحرية” وتفضيل التعويض المدني والرمزي في الجنح التي تتعلق بالصحافة، علاوة على تعزيز ضمانات هذه الحرية، من خلال الحرص على أن يكون أي قيد مفروض عليها محددًا بنص قانوني صريح ومتاح وأن تكون هذه القيود ضرورية لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم أو لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.

hespress.com