صقلت الفنانة التشكيلية المغربية حفيظة زيزي مسيرتها الفنية من محيطها ومن الأرض التي أنبتتها، بكل معانيها الشعبية والتراثية والوطنية، واستطاعت أن ترسم لنفسها طريقا فنيا وإبداعيا متميزا، رغم العوائق التي تفرضها حواجز الزمان والمكان.

بالألوان واللوحات، تبدع الفنانة التشكيلية العصامية زيزي حفيظة في رسم كل ما يتخيله عقلها أو كل ما تراه عينها، إلى درجة تحيلك لوحاتها التشكيلية إلى الارتواء من منبع المواضيع المنتقاة وخفاياها، التي توصلها إلى صقل جوهرها الفني الذي يوصلها إلى المدى الإنساني.

بين ثنايا جبال الأطلس المتوسط، وبالضبط في منطقة أغبالة التابعة إداريا لإقليم بني ملال، رأت الفنانة التشكيلية حفيظة زيزي النور سنة 1976، وهناك ترعرعت إلى أن بلغت سن الـ15 سنة، وهو السن الذي تزوجت فيه وانقطعت عن الدراسة في المستوى الثاني إعدادي.

بعد وفاة أمي تأزمت حالتي

“توجهت للرسم كعلاج نفسي ومتنفس بعد وفاة أمي رحمة الله عليها”، تقول حفيظة زيزي في حديثها مع جريدة هسبريس الإلكترونية، مضيفة أن “وفاة والدتي سببت لي في أزمة نفسية حادة، ما جعلني أفكر في العودة للرسم، خاصة وأنني كنت في صغر سني أرسم بعض اللوحات في الورق وبالألوان”.

وزادت: “قررت اللجوء إلى الرسم كعلاج نفسي وإيجاد متنفس لنفسي لتجاوز الأزمة النفسية التي تسببت فيها وفاة والدتي”، موضحة أنه “بعد هذا القرار تحسنت نفسيتي إلى درجة كبيرة”، مشيرة إلى أن “الفن التشكيلي استطاع أن يغير حياتي رغم أن ولوجي إليه في أول مرة لم يكن من أجل الشهرة والمال، بل من أجل نسيان آلام فراق أمي الحنونة”.

من أغبالة إلى ورزازات

بعد زواجها بمنطقة أغبالة، انتقلت حفيظة زيزي لتعيش رفقة أسرتها الصغيرة بمدينة مراكش، حيث كان شقيقها يقطن، الذي بدوره يزاول الرسم ويتوفر في منزله على مكان خاص بالرسم، ما ساعدها على تطوير نفسها وأدائها في الفن التشكيلي، تقول زيزي.

وأضافت المتحدثة ذاتها أنها قامت بعد أربع سنوات من استقرارها في مدينة مراكش، بالمشاركة في معرض خاص بالفنون التشكيلية في مدينة ورزازات، وبعدها قامت بزيارة منطقة أيت بنحدو من أجل السياحة رفقة ابنها، حيث قررت الاستقرار بعد ذلك بشكل نهائي رفقة أسرتها منذ ذلك الحين إلى اليوم.

مرحلة انتقالية

في حديثها مع جريدة هسبريس الإلكترونية حول مسارها المتواضع في الرسم والفن التشكيلي؛ قالت حفيظة زيزي: “بعد ثلاث سنوات من ولوجي الرسم، بدأت لدي مرحلة انتقالية دفعتني لتطوير أعمالي الفنية والتعريف بها من خلال المعارض والملتقيات التي شاركت فيها، ولقيت لوحاتي إقبالا كبيرا من عشاق الفن التشكيلي، سواء المغاربة أو الأجانب”.

وأكدت الفنانة التشكيلية العصامية أنها شاركت في عدد من المعارض على المستوى المحلي والوطني والدولي، مشيرة إلى أن جميع المعارض والملتقيات المنظمة بالمغرب شاركت فيها وقامت بعرض أعمالها الفنية، بالإضافة إلى مشاركتها مرتين في دولتين أوروبيتين ودولة في أمريكا.

وأوضحت المتحدثة ذاتها أن “الفن التشكيلي الذي دخلت إليه في الوهلة الأولى كهواية من أجل نسيان آلام فراق أعز إنسانة إلى قلبي، فتح لي المجال في ما بعد لتحقيق بعض الطموحات والأهداف، وكسب صداقات على المستوى المحلي والجهوي والوطني وحتى الدولي. كما فتح لي المجال للمرور إلى مرحلة انتقالية جديدة ومهمة في حياتي”.

مطالب وإكراهات

وعن مطالب مزاولي مهنة الفن التشكيلي، قالت زيزي إن “المطالب لا تقتصر على فنان واحد أو فنانة، بل هناك مطالب موحدة من طرف الفنانين التشكيليين بالمغرب عموما”، مشيرة إلى أنه “من العيب والعار أن يتوفر المغرب كاملا فقط على مدرستين خاصتين بالفن التشكيلي متواجدتين بالدار البيضاء وتطوان”.

وزادت قائلة: “بعد حصول الطالب المهتم بالفن التشكيلي على شهادة البكالوريا، لا توجد أمامه اختيارات كثيرة لولوج مدارس الفن التشكيلي، ويضطر إلى التوجه إلى تطوان أو الدار البيضاء، ما يشكل للأسر عبئا ماليا إضافيا”، ملتمسة من القطاع الحكومي المعني بالأمر توفير مدارس لتعلم الفن التشكيلي على الأقل في كل جهة.

وعن الإكراهات التي واجهتها حفيظة زيزي في مسارها الفني، تؤكد أن عدم إتمام دراستها كان من العوائق الصعبة في حياتها الفنية، بالإضافة إلى تحملها المسؤولية الأسرية في سن مبكرة، ووجود صعوبة في الجمع بين الرسم وتربية الأبناء، مؤكدة أنها رغم ذلك استطاعت تحدي كل العوائق والإكراهات بالعزيمة والإرادة.

وأضافت زيزي أن مجموعة من الإكراهات تواجه عمل الفنان، لاسيما في الجنوب الشرقي، خاصة ما هو مرتبط بتسويق المنتوجات لغياب المعارض والقاعات التي يمكن أن تستقبل أعمال الفنانين والفنانات، مشيرة إلى أن الجنوب الشرقي يتوفر على مجموعة من الفنانين في المجال التشكيلي، لكن غالبا ما يواجهون تهميشا.

بطاقة الفنان

“طموحي عبارة عن مجموعة من الأحلام”، تقول المتحدثة نفسها مضيفة أن بعضا من هذه الأحلام تم تحقيقها على أرض الواقع وأخرى تناضل من أجل تحقيقها، مضيفة أن من بين الأحلام المحققة هي قدرتها على وضع بصمتها في الساحة الفنية المغربية.

وأوضحت المتحدثة ذاتها أن المهتمين بالفن التشكيلي باستطاعتهم التعرف على لوحاتها الفنية التشكيلية بدون توقيعها بالاسم. “كما أطمح إلى تأسيس مرسم خاص ويكون على شكل رواق لعرض أعمالي الفنية”.

وأكدت الفنانة التشكيلية العصامية أنها لم تستفد من بطاقة الفنان رغم تقديم الملف أكثر من مرة بالشروط المطلوبة، موضحة أن عدم استفادتها من بطاقة الفنان، على غرار باقي المزاولين للأنماط الفنية الأخرى، حز نفسها، مؤكدة أن ملفها يتم رفضه لأكثر من مرة لأسباب تبقى مجهولة.

وأوضحت المتحدثة عينها أن بطاقة الفنان عبارة عن بطاقة يتم من خلالها الاعتراف بالفنان المستفيد، ولا تقدم هذه البطاقة أي امتيازات أخرى، مشيرة إلى أنها قررت عدم تقديم ملفها مرة أخرى بهذا الخصوص، ملتمسة من الوزارة المعنية التدخل لتمكين الفنانين من هذه البطاقة، التي أصبح من الواجب التوفر عليها للاعتراف بهم وبأعمالهم الفنية.

hespress.com