انبثق من رحم وسائط الاتصال الجماهيري، في متم شهر يوليوز المنصرم، وسم افتراضي (هاشتاغ) مؤداه: “جميعا ضد #حقوقيو_التشهير”.

وكان هذا الوسم بمثابة رجع الصدى لأنين الصحافية حفصة بوطاهر في المنصات والشبكات التواصلية، بعدما استقبلتها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في أعقاب تعرضها للاغتصاب من طرف عمر الراضي، وعوض أن تحيطها بـ”الرعاية الحقوقية” المفروضة والمفترضة في هيئات الدفاع عن حقوق الإنسان، قامت بالتشهير بها والوشاية ببلاغها لمغتصبها، وكأنها تقدمها “قربانا حقوقيا” للمشتبه فيه للإمعان في استكمال العنصر المادي والمعنوي لجريمة “الاغتصاب الحلال” الذي يسوغه صك الغفران بإيعاز من دهاقنة حقوق الإنسان.

لم يفهم كثيرون وقتها سبب إفشاء الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أسرار محادثاتها مع حفصة بوطاهر، من منطلق أن المجالس أمانات، خصوصا في حضرة سدنة الحقوق والحريات، وهل هناك أأمن للنساء الضحايا من هذا مكانا وملاذا؟ كما لم يستوعب الكثير منا حينئذ سبب استنكاف رفاق خديجة الرياضي عن التداول (حقوقيا) في قضية حفصة بوطاهر، وآثروا في المقابل حلا رديفا يتمثل في تسريب المحادثة للمشتبه فيه والتشهير بالضحية.

واليوم، ينجلي هذا السر، وندرك معه أسباب امتهان بعض الحقوقيين للتسريبات وامتلاك بل وتملك ثقافة التشهير، وإن كان “ليس هناك أخطر من الإفراط في الوعي وإدراك الأشياء”، كما قال كافكا، لأن مثل هذه الخلاصات والإدراكات إنما تصيب المرء بخيبة الأمل وانعدام الثقة فيمن يقدمون أنفسهم “ملاكا وملاذا” للتواقين والحالمين بالحماية الحقوقية.

فأن تتجاسر حقوقية، برتبة “مناضلة قديمة”، على أحد مكونات الجسم الصحافي المغربي، وتنعتهم بـ”الكتبة”، فإنما هي تمارس “التشهير بجُبة الحقوقية” في حق من يحملون على عاتقهم توطيد الحق في الرأي والتعبير والإخبار والاختلاف، وأن تتمادى المعنية بالأمر في التجاسر وتقدم هؤلاء الصحافيين كمأجورين يحركهم الواقفون خلف الحجاب، فهذا لعمري “شعبوية حقوقية وإمعان في التشهير والإسفاف في حق حرية الصحافة”. ألم تسمع هذه “الحقوقية” عن السبق الصحافي (السكوب)، وعن مصادر الصحافي، سواء في الأوساط العامة أو الخاصة أو حتى داخل الائتلافات الحقوقية؟

فأن ينشر صحافي مقالا مؤثثا بأخبار أو معلومات من داخل الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان، فهذا ليس عملا مجرما ولا اختراقا جاسوسيا، لسبب بسيط وهو أن الخبر المنشور يتناول معطيات متداولة في مختلف المصادر المفتوحة، كما أن الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان ليس مؤسسة عسكرية أو أمنية أو قضائية تخضع مراسلاتها للتصنيفات السرية ولأمن الوثائق والمستندات التي ترتب الجزاءات القانونية.

فالاشتغال على مادة خام تتمثل في “الدفاع عن حقوق الإنسان”، يقتضي في من يمتهنها (من المهنة وليس المهانة)، أن يكون صدره رحبا ويتقبل النقد والاختلاف، لأنه من المفروض أنه يدافع عن هذا الاختلاف، بل هو علّة وجوده ومناط اشتغاله، لكن أن تنسلخ “قيدومة” مناضلات الجمعية المغربية لحقوق الإنسان من هكذا مبادئ ومناقب وشيم حقوقية، وتنبري مزدرية الصحافة بالتشهير والتخوين والتدليس، فثمة شيء غير سليم في هذه البيئة الحقوقية. فإما أننا أمام سيدة يضيق صدرها بالاختلاف، أو أنها تلتحف رداء غير حقوقي، وتصطنع لنفسها ما ليس فيها من تشبع مزعوم بالحقوق والحريات.

فالصحافة حق دستوري وحرية مقدسة، بل هي أساس تتفرع عنه العديد من الحقوق الأساسية الأخرى. وأن تختلف مشارب وأطياف من هذه الصحافة مع بعض “ملاك الأصل التجاري الحقوقي”، فهذا لا يعطي لأي كان صلاحية تصنيف الوسائط الإعلامية وتقسيمها حسب الأهواء والإملاءات والخلفيات الراسخة والانطباعات الذاتية. فمن يهاب السبق الصحافي، أو يخشى من مصادر الصحافة، عليه أن “يُمترس هيئاته الحقوقية لتكون عصية عن الصحافة والصحافيين”، وأن يجعلها “قلعة حصينة مثل الثكنات العسكرية والمقرات الاستخباراتية”، خصوصا إذا كانت هذه البنيات الحقوقية تعتمل أنشطة موسومة بالسرية، وتخضع لمعايير أمان مرتفعة، لا يمكن الكشف عنها أو تسريبها إلا لمن هو متابع في جرائم الاغتصاب والاتجار بالبشر.

ونحن أيضا، سنردد مع باقي نشطاء الإعلام البديل الهاشتاغ القائل “جميعا ضد #حقوقيو_التشهير”.

hespress.com